عندما يدخل المسلم لبيت الله يحس بالطمأنينة والأمان، ويبدو أن ذلك راجع إلى اسم المكان وهيأته وطبيعة عُمَّاره. فماذا لو فقد المسلمون هذا الإحساس في مساجدهم، جراء ما يعتري هذا البيوت من تشويشات تحرم قاصدها بغيته وتكدِّر عليه صفو راحته؟ فأين يا ترى سنجد الراحة والسكينة إن لن نجدها في بيوت الله حيث تنزل السكينة وتغشى الناسَ الرحمةُ؟
السرقة في بيت الله!
حتى في بيت الله أصبح المصلون خائفين على أحذيتهم، وانتشرت في كثير من المساجد إعلانات مكتوب عليها: “ضعوا أحذيتكم أمامكم”، وفي مساجد أخرى زيدت عبارة: “حتى لا تضيع منكم” تناقض كبير والله، إعلان يحذر المصلين وينبههم ليحرصوا على أحذيتهم، أين هذا؟ في بيت الله؟ في محل الأمن والأمان والعبادة والطمأنينة؟
لقد آل أمر المساجد التي قال الله جل وعلا فيه: “إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ”، إلى حال تقتل المرء كمدا وحزنا حيث صارت غرضا للسرقة والنهب.
ونظرا لفُشُوِّ ظاهرة السرقة في بيوت الله أصبح بعض الناس يتجنب الصلاة في المساجد، فمرةً صارحني أحدُ معارفي أنه لا يحضر إلى المسجد مخافة أن يسرق منه حذاؤه الجديد، لكن ما راعني هو تصريح رجل آخر لما سُرق حذاؤه في المسجد معلنا عزمه على عدم العودة إلى الصلاة في المساجد، وكأن المسجد هو المسؤول عن سرقة حذائه. ترى لو سرق حذاؤه في الشركة التي يعمل بها أو في السوق الذي يبيع فيه أكان سيتركهما؟
أكيد أنه لن يفعل ذلك، بل سيقول: وما علاقة الشركة أو السوق بالسرقة وما ذنبهما في ذلك؟
الموسيقى في بيت الله!
حتى في بيت الله تتعالى رنات الهواتف المحمولة أثناء الصلاة تفقد المصلين أعصابهم، وقد نلتمس العذر لمن نسي الهاتف المحمول مشغلا، لكن لا عذر لمن يختار رنات موسيقية تُذكِّر سامعها بمشاهد “فديو كليب” خليعة، أو ألفاظ شركية مثل: “عبد القادر يا بوعلام يا سيد الأولياء داوي حالي..”، وهذه استغاثة صريحة بغير الله تعالى، وطلب الشفاء ممن لا قدرة له على ذلك.
وبالمناسبة فعلى المصلي ألا يدع هاتفه يسترسل في رنينه بل عليه أن يوقفه، وهذا لا يقدح في صحة الصلاة إذا كانت الحركة يسيرة، لكن أن ينظر المصلي إلى من اتصل به أثناء الصلاة ويتوسع في الحركة فربما عرض صلاة للبطلان.
هيشات الأسواق في بيت الله
حتى في بيت الله أصبحنا نحضر شجارات بين المصلين بأصوات عالية، يَنْدى لها الجبين وتدمى لها القلوب، فكيف يكون حال مساجدنا هكذا وقد حذر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من المنازعات والخصومات التي تقع في الأسواق فقال: “إياكم هيشات الأسواق” (رواه مسلم)، وهيشات الأسواق معناها اختلاط الأصوات وارتفاعها وذلك مما ينافي تعظيم شعائر الله.
قال النووي: أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها.
وثبت في موطأ مالك أن عمر بن الخطاب دخل المسجد فوجد رجلين قد ارتفعت أصواتهما فهَمَّ بضربهما بدرته، رضي الله عنه، فلما رآهما غرباء عن المدينة سألهما فقالا: من اليمن، فقال: “لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً”.
كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليخبر الناس بتعيين ليلة القدر على وجه فيه جزم ويقين فسمع جَلَبة في المسجد فأُخبر أن الله عز وجل رفع ليلة القدر، والمراد رفع تعيينها على وجه الجزم، وليس كما يقول الرافضة أنها مرفوعة بالكلية، فبسبب الأصوات في المساجد من أسباب عدم تنزل الرحمات، ومن أسباب الحرمان من الخيرات.
ناهيك عن الروائح الكريهة التي تنبعث من بعض المصلين كرائحة البصل والثوم والعرق، وغفر الله لبعض إخواننا الحرفيين الذين يرمون ما في أيديهم ويدخلون للمسجد بلباس العمل، ومعلوم ما يلحق المصلين من جراء ذلك، وأخجل وأستحيي من ذكر حال من تنبعث منه رائحة التدخين بل والمخدرات أحيانا.
لجأنا لبيت الله لكن وجدناه كما وصفنا فإلى أين نذهب يا ترى؟ ومتى نطبق قوله عز وجل: “فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ”.
وهذا أمور مستنكرة، أحببت أن أنبه عليها، فلبيت الله حرمة ينبغي أن نراعيها.