اشتهر بالطعن في الصحابة رضي الله عنهم طائفتان منحرفتان ضالتان؛ وهما الروافض والخوارج. فالرافضة -الشيعة الإثنا عشرية المنتشرين في العالم الإسلامي اليوم- يطعنون في كل الصحابة إلا نفرًا قليلا منهم، يعيبونهم يطعنون فيهم، ويخُصّون الشيخين أبا بكر وعمر بمزيد من الطعن والسب واللعن، ويكفرون أو يفسقون سائر الصحابة إلا عمار بن ياسر، وسلمان الفارسي..
ولا زالوا اليوم يدعون إلى عقيدتهم المنحرفة الباطلة ويوزعون كتابا للأدعية موثق من ستة من شيوخهم ومراجعهم؛ أو من يصفونهم بـ”الآية عظمى” كأبي القاسم الخوئي، والخميني، وكاظم شريعتمداري، ومحمود الحسيني الشاهرودي، وعلي نقي النقوي.
وفي هذا الكتاب الموثق من هؤلاء الآيات دعاء بالعربية في حدود صفحتين يتضمن لعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وابنتيهما أمهات المؤمنين وحفصة رضي الله عنهما، ومما جاء في هذا الدعاء:
“اللهم العن صنمي قريش وجبتيها، وطاغوتيها، وإفكيها، وابنتيهما الذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وجحدا إنعامك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وحرفاً كتابك، وأحبا أعداءك، وجحدا آلائك، وعطلا أحكامك، وألحدا في آياتك..” [منصور حسين/ تحفة العوام مقبول: ص423-424].
ولعل القارئ يساوره شك في كون المقصود بلفظ صنمي قريش الوارد في الدعاء هو الصحابيان الجليلان أبو بكر وعمر، وخير من يبين المقصود من اللعن هم علماء الإمامية أنفسهم:
فقد ذكر المجلسي في بحار الأنوار:
“يعني باللات والعزى صنمي قريش أبا بكر وعمر”.(بحار الأنوار للمجلسي 52/284).
وذكر المجلسي أيضاً: عن عبد الله بن سنان، عن جعفر بن محمد قال: ..أبو بكر وعمر صنما قريش اللذان يعبدونهما. (بحار الأنوار/ المجلسي 30/384).
فالشيعة لم تترك السب واللعن، ولا يزال شيوخهم يدعون أتباعهم إلى هذا الضلال، وعوامهم على أثرهم يهرعون، يشتمون ويكفرون. فكيف يصح أن يدعو الإنسان إلى التقارب مع هؤلاء القوم وهم يسبون أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال عبد الحسين شرف الدين الموسوي: (فالسنة أرفع من أن تحتضن أعشاباً شائكة وخز بها أبو هريرة ضمائر الأذواق الفنية؛ وأدمى بها تفكير المقاييس العلمية قبل أن يشوه بها السنة المنزهة ويسيء إلى النبي وأمته صلى الله عليه وآله) (أبو هريرة، عبد الحسين شرف الدين الموسوي).
ثم يقول متحدثاً عن الصحابة رضي الله عنهم على عهد معاوية رضي الله عنه: (وكثر الكذابة يومئذ على رسول الله كما أنذر به صلى الله عليه وسلم وتطوروا فيما اختلقوه من الحديث حسبما أوحى إليهم، وكان أبو هريرة في الرعيل الأول من هؤلاء فحدّث الناس في الفضائل أحاديث منكرة) المرجع نفسه.
وقال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران سابقا آيتهم الخميني: (إن تهمة التحريف التي يوجهها المسلمون إلى اليهود والنصارى إنما تثبت على الصحابة) (كشف الأسرار، الخميني:144).
وقال في موضع آخر: (لقد كان سهلاً عليهم- أي الصحابة- أن يخرجوا هذه الآيات من القرآن ويتناولوا الكتاب السماوي بتحريفه ويسدلوا الستار على القرآن ويغيبوه عن أعين العالمين) (المصدر نفسه).
إنه لما أراد الروافض أن يأتوا على سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ويشككوا المسلمين فيها لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً إلا عن طريق اتهام الصحابة بالردة وتحريف القرآن والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يبقى الناس يخبطون في ظلمات الجهالة بلا دين راسخ ثابت العقيدة واضح التعاليم.
والنتيجة الطبيعية لهذا الاتهام هي رد جميع ما جاء به الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأصبح من شروط الذين شككوا في عدالتهم أن الحديث الصحيح هو (ما رواه الإمامي الثبت عن الإمامي وصولاً إلى المعصوم، شريطة أن لا دخل في سلسلة السند واحد من العامة سواء كان صحابيا أو لا إلا إذا عدل من قبلهم) (قواعد الحديث، محي الدين الغريضي:24).
وأما الخوارج فقد كفروا عليًّا وعثمان رضي الله عنهما، وكفروا أصحاب الجمل وصفين، يعني الذين اشتركوا في هذه الوقائع. وقد بنوا أحكامهم السطحية تلك والنتائج التي توصلوا إليها على مقدمات ساذجة؛ ذلك أنهم حين ادعوا أن مرتكب الكبيرة كافر وقعوا في ورطة كبيرة جرتهم إلى أن يقعوا في أخطاء أكبر، وكل خطأ كانوا يقعون فيه كان يؤدي بهم إلى واد سحيق من الضلال بسبب عنادهم وتماديهم في الباطل.
ولقد جاء طعنهم في الصحابة رضي الله عنهم نتيجة خطأ فهم آية من كتاب الله ألا وهي قوله سبحانه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ}.
ففي قضية التحكيم رأوا أن اللجوء إلى التحاكم إلى كتاب الله عن طريق الناس هو حكم بغير ما أنزل الله مستلزم للكفر، لهذا كفروا علياً ومعاوية والحكمين: أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي الله عنهم.
ولو أنهم أنابوا إلى رشدهم وردوا الأمر إلى أولي العلم منهم واستمعوا إلى صوت الحق لكان خيراً لهم؛ لكن تنطعهم الشديد كان له الأثر السيئ عليهم، ويكفيهم خزيا وضلالا وبعدا عن الحق أن جماعتهم تلك لم يندرج في سلكها أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأهل السنة وسط بين هؤلاء وأولئك، أهل السنة والصحابة وسط بين الرافضة والخوارج، فهم يؤمنون بفضلهم وتفاضلهم، وينزلون كلا منزلته ولا يطعنون ولا يجرحون أحد منهم؛ رضي الله عنهم أجمعين وحشرنا معهم في جنات النعيم.
وقُلْ خيـرَ قولٍ في الصحابة كلهِم *** ولا تَـكُ طعّانًا تعيـبُ وتجــرحُ
فقـد نطـق الوحي المُبِينُ بفضلهم *** وفــي الفتح آيٌ للصحابة تمدح