للوقوف على معنى الهدر المدرسي، فلابد من معرفة أصل كلمة “هدر” لغويا، وهل دالها معجمة أم مهملة، ثم نعرج على المعنى الاصطلاحي، كما نقارن بينه وبين مفهوم التسرب؛ لأن عدم تحديد المفهوم سيوقعنا والقراء في التيه والضياع المعرفيين.
الهَدَرُ، محرَّكةً: ما يَبْطُلُ من دَمٍ وغيرِهِ.
والهَدْرُ والهادِرُ: الساقِطُ.
الهَذَرُ: الكلام الذي لا يُعْبَأُ به. هَذرَ كلامُه هَذَراً: كثر في الخطأ والباطل.
والهَذَرُ الكثير الرديء، وقيل: هو سَقَطُ الكلام. هَذَرَ الرجلُ في منطقه يَهْذِرُ ويَهْذُر هَذْراً.
سَرَبَتِ الإِبلُ تَسْرُبُ، وسَرَبَ الفحل سُروباً أَي مَضَتْ في الأَرضِ ظاهرة حيثُ شاءَتْ.
يبدو أن الأصل اللغوي لكلمة الهدر بعيد عما حملت من معنى شائع، في حين نجد لفظة التسرب أقرب إلى أحد المعاني المتداولة.
فهل المقصود بالهدر المدرسي التسرب الذي يحصل في مسيرة الطفل الدراسية؟
أم أن المقصود هو التعثر أو الفشل الدراسي؟ أم هما معا؟
يتحدث المخطط الاستعجالي عن: محاربة ظاهرة الهدر المدرسي بشكليه التكرار والانقطاع عن الدراسة، فيما يتحدث تقرير المجلس الأعلى الموضوعاتي لسنة 2009 عن الفشل والهدر المدرسيين.
ومن خلال المقارنة يبدو أن التكرار هو الفشل المدرسي، أو أنه يؤدي إليه؛ أما الهدر فهو الانقطاع الكلي للتلميذ عن الدراسة قبل إتمام مرحلة دراسية؛ لهذا يحسن الحديث عن التسرب الدراسي كما اختار ذلك إخواننا في الشرق العربي بدل الهدر، لأن مصطلح التسرب أقرب إلى أصله اللغوي.
إذن، فالمقصود بالهدر المدرسي هو :التسرب والفشل المدرسيان، أي الانقطاع والتعثر.
الفشل المدرسي
جاء في “تقرير المجلس الأعلى الموضوعاتي لسنة 2009 حول نتائج البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي 2008” ما يلي:
“سجل التلاميذ المنتمون للوسط القروي درجات تحصيل أقل من زملائهم بالوسط الحضري في جميع المواد والمستويات التعليمية” (ص:16).
وقد عزا التقرير هذه الفروق المسجلة بين الوسطين:”إلى العوامل السوسيواقتصادية، وحجم الإقبال على التعليم الأولي، والظروف المرتبطة بمزاولة المدرسين لعملهم، والتأطير البيداغوجي، وانخراط آباء وأولياء التلاميذ في الشأن التربوي” (ص:16).
كما عزا تدني التحصيل الدراسي في كثير من المواد التعليمية المستهدفة بالدراسة إلى: “النجاح التلقائي والانتقال إلى المستويات العليا دون التحكم في الكفايات الأساسية. وهذا ما يجعل التلاميذ يراكمون الصعوبات طيلة مسارهم الدراسي، مما يعيقهم عن إرساء التعلمات الجديدة بالإتقان المطلوب” (ص:26).
ومن بين الحلول التي ركز عليها التقرير: “اللجوء إلى أنشطة الدعم والتقوية والمعالجة الرامية إلى تدبير صعوبات التلاميذ ومرافقتهم لتملك الكفايات الأساسية” (ص:26).
الهدر أو التسرب المدرسي
يشكل التسرب المدرسي أحد روافد الأمية البالغة نسبتها %38 في صفوف البالغين عشر سنوات فما فوق، وذلك لأن: “التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة بعد أربع سنوات يؤولون إلى الأمية؛ مما يشكل استنزافا للموارد البشرية والمادية للبلاد” (تقرير المجلس الأعلى للتعليم؛ الجزء الأول ص:28).
أسباب التسرب المدرسي
أسباب التسرب المدرسي كثيرة ومتنوعة؛ ويتصدرها تدني التحصيل الدراسي لدى التلاميذ الذي يؤدي بدوره إلى التعثر والفشل الدراسيين؛ مما يجعل انقطاع التلميذ عن الدراسة ضرورة حتمية.
ومن عوامل التسرب أيضا: بعد المسافة الفاصلة بين مقر السكنى والمؤسسة، وتدني المستوى التعليمي للآباء وحالتهم الاقتصادية والاجتماعية المزرية..
ومن بين الحلول المقترحة: الدعم الاجتماعي المتمثل في توفير النقل المدرسي والمطاعم والداخليات، ودور الطالب والطالبة وتوزيع المستلزمات المدرسية، وبناء مدارس للتعليم الأولي في البوادي فضلا عن القرى، وتقديم المنح للأسر المعوزة، وإنعاش صيغ التشارك مع الأطراف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحلية والجهوية.
ولنا على الحلول المقترحة ملاحظات خصوصا تلك المتعلقة بأنشطة الدعم والتقوية والمعالجة، لأن الشيطان يوجد في التفاصيل كما يقول السياسيون؛ إلا أن المقام لا يحتمل الإطالة.