لماذا جعل الله تعالى الطلاق بيد الرجل؟

قد يقول قائل: لم جعل الله الطلاق بيد الرجل وحده، مع أن النكاح عقد بين طرفين كسائر العقود، ينبغي أن يكون لكل من الطرفين الحق في فسخه، كما كان لكل منهما حق إمضائه؟!
وهل في قصر هذا الحق على الرجل وحده حكمة ومصلحة تعود على الطرفين؟!
نقول: إنما كانت العصمة بيد الزوج، وأمر الطلاق إليه لسببين:
الأول: “أن الرجل هو الذي تكلف كل مطالب الزواج والحياة الزوجية بعده من مهر ونفقات، فهو الذي تصيبه خسارة الطلاق في ماله، ومما لا شك فيه أن هذا يمثل عاملا قويا يدفع الرجل -عند مواطن النزاع واحتدام المشاعر- إلى مزيد من التروي وعدم التسرع في أمر الطلاق”، وهذا تأويل قوله تعالى: )الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) (النساء:34).
“فمن الجائز -لو كان الطلاق بيد الزوجة- أن توقعه على نفسها قبل أن يمسها الزوج، فتفوت عليه حق الاستمتاع بها، بينما تحصل منه على حقها كاملا بمجرد العقد عليها، فيكون لها المهر كله إن دخل بها أو نصفه إن لم يدخل بها، وفي ذلك أكل لأموال الناس بالباطل” الفقه الواضح من الكتاب والسنة على المذاهب الأربعة، د.محمد بكر إسماعيل.
ولما كان إيقاع الطلاق يترتب عليه تبعات مالية يلزم بها الزوج؛ فبإيقاع الطلاق يحل المؤجل من الصداق إن وجد، وتجب النفقة للمطلقة مدة عدتها، وتجب المتعة لمن تجب لها من المطلقات، كما يضيع على الزوج ما دفعه من المهر وما أنفقه من مال في سبيل إتمام الزواج، وهو يحتاج إلى مال جديد لإنشاء حياة زوجية جديدة، ولا شك أن هذه التكاليف المالية التي تترتب على الطلاق من شأنها أن تحمل الزوج على التروي وضبط النفس، وتدبر الأمر قبل الإقدام على إيقاع الطلاق، فلا يقدم عليه إلا إذا رأى أنه أمر لا بد منه ولا مندوحة عنه، ولما كانت الزوجة لا يصيبها من مغارم الطلاق المادية شيء حتى يحملها على التروي والتدبر قبل إيقاعه، بل هي تربح من ورائه مهرا جديدا وبيتا جديدا وزوجا جديدا.
نقول: لما كانت كل هذه التبعات على كاهل الرجل دون المرأة؛ كان الرجل أكثر الشريكين تقديرا لمسئولية الهدم الذي تكفل النصيب الأوفى من بنائه؛ فكان أحق بالهدم من الزوجة.
الثاني: كون الرجل في طبيعته وفطرته أقرب من المرأة -على وجه العموم- إلى تحكيم النظر العقلي، وكونها -فيما يقابل هذا- أقرب منه إلى تحكيم العاطفة وانفعالاتها، وأسرع في الاستجابة لها منه، مما يجعلها -إن أعطيت حق الطلاق أصلا- أسرع إلى النطق به عند احتدام النزاع، ولو في مشادة وقتية يمكن أن ينتهي أثرها -دون فرقة- إذا أطاع من بيده الطلاق صوت العقل الهادئ، ولم يستجب بدافع الانفعال الوقتي إلى ما تؤدي إليه المشاعر المحتدمة.
“وشواهد الحياة تدلنا في كل يوم على أن ثقافة المرأة، وحظها الكبير من العلم لا يغيران هذه الفطرة الأصلية التي يضاف إليها ما يعتري المرأة -في حالات الحيض والحمل والولادة والرضاع وانقطاع الطمث- من عدم توازن هرموني يصيبها بشيء من الانحراف المزاجي، يجعلها أقرب ما تكون إلى الاستجابة لدوافع الشعور الوقتي” مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة؛ د. محمد بلتاجي.
فالرجل أكثر إدراكا وتقديرا لعواقب هذا الأمر، وأقدر على ضبط أعصابه وكبح جماح عاطفته حال الغضب والثورة، بخلاف المرأة التي خلقت بطباع وغرائز تجعلها أشد تأثرا، وأسرع انقيادا لحكم العاطفة من الرجل؛ لأن وظيفتها التي أعدت لها تتطلب ذلك، فهي إذا أحبت أو كرهت، وإذا رغبت أو غضبت، اندفعت وراء العاطفة، لا تبالي بما ينجم عن هذا الاندفاع من نتائج، ولا تتدبر عاقبة ما تفعله، فلو جعل الطلاق بيدها لأقدمت على فصم عرى الزوجية لأقل المنازعات التي لا تخلو منها الحياة الزوجية، وتصبح الأسرة مهددة بالانهيار بين لحظة وأخرى تهديدا أشد وأخطر من ذاك التهديد حال كون القوامة للرجل والطلاق في يده لما قدمناه من صفات امتاز بها الرجل دون المرأة. إنسانية المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى، علاء أبو بكر.
وهذا لا يعني أن كل النساء كذلك، بل إن من النساء ذوات عقل، وقدرة على ضبط النفس حين الغضب من الرجال، كما أن من الرجال من هو أشد تأثرا وأسرع انفعالا من بعض النساء، ولكن الأعم الأغلب هو ما ذكرناه من حال كل من الرجل والمرأة، والأصل أن التشريع إنما يبني على الأعم الأغلب، لا على النادر أو الشاذ.
فإذا كانت المرأة تفكر في بقاء المودة والرحمة بينها وبين زوجها، وتحرص على دوام العشرة بينهما، فالزوج أحرص على ذلك منها؛ لأنه هو الخاسر إذا ما حل الوثاق بإيقاع الطلاق، ولا يظن عاقل أن في حرمان المرأة من إيقاع الطلاق ظلما يلحقها، بل في إعطائها هذا يقع الظلم على زوجها وعلى أولادها وعلى المجتمع.
وعلى هذا يمكن القول: إن فصم رابطة الزوجية أمر خطير يترتب عليه آثار بعيدة المدى في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، فمن الحكمة والعدل ألا تعطى صلاحية البت في ذلك، وإنهاء تلك الرابطة إلا لمن يدرك خطورته، ويقدر العواقب التي تترتب عليه حق قدرها، ويزن الأمور بميزان العقل قبل أن يقدم على الإنفاذ، بعيدا عن النزوات الطائشة، والعواطف المندفعة، والرغبة الطارئة، والمواقف العارضة، فمن الخير للحياة الزوجية، وللزوجة نفسها أن يكون البت في مصير الحياة الزوجية في يد من هو أحرص عليها. (موسوعة بيان الإسلام.. الرد على الشبهات والافتراءات).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *