قال الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان/13].
وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء/48].
وفي آية أخرى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء/116].
وقال سبحانه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة/72].
وقال سبحانه: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج/31].
وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام/88].
وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها وإنه كاد أن يبطئ بها، قال عيسى: إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذب، فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ وقعدوا على الشرف فقال إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن. أولاهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق فقال هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إلي، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده! فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ ..” إلـخ. الحديث [رواه الترمذي وصححه].
“فذكر مثل الموحد والمشرك؛ فالموحد كمن عمل لسيده في داره وأدى لسيده ما استعمله فيه والمشرك كمن استعمله سيده في داره فكان يعمل ويؤدي خراجه وعمله إلى غير سيده؛ فهكذا المشرك يعمل لغير الله تعالى في دار الله تعالى ويتقرب إلى عدو الله بنعم الله تعالى؛ ومعلوم أن العبد من بني آدم لو كان مملوكه كذلك لكان أمقت المماليك عنده وكان أشد شيئا غضبا عليه وطردا له وإبعادا؛ وهو مخلوق مثله كلاهما في نعمة غيرهما، فكيف برب العالمين الذي ما بالعبد من نعمة فمنه وحده لا شريك له ولا يأتي بالحسنات إلا هو؛ ولا يصرف السيئات إلا هو؛ وهو وحده المنفرد بخلق عبده ورحمته وتدبيره ورزقه ومعافاته وقضاء حوائجه؛ فكيف يليق به مع هذا أن يعدل به غيره في الحب والخوف والرجاء والحلف والنذر والمعاملة؛ فيحب غيره كما يحبه أو أكثر؛ ويخاف غيره ويرجوه كما يخافه أو أكثر” .
إن الواقف على خطورة الشرك وقبحه؛ يستبعد وقوعه من المخلوق، ومع ذلك هو متفش بشكل فظيع، ومن وراء ذلك أسباب كثيرة؛ منها: عدم سد الذرائع الموصلة إليه؛ كالغلو في الصالحين والأنبياء، ومنها: الجهل بحقيقة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وما أنكره على قومه من الشرك، ومنها: الخلط بين توحيدي الربوبية والإلهية، ومنها: شبهة الشفاعة.
“وقد بين بعض المالكية أن شبهة المشركين قديما وحديثا في وقوع الشرك طلب الشفاعة من هؤلاء الشركاء؛ لما لهم من المنزلة والجاه عند الله، كما قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[يونس/18]، وقوله تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر/3].
وبين ابن عطية السبب في ذلك بقوله: “وكأن هذه الطوائف كلها كانت ترى نفوسها أقل من أن تتصل هي بالله، فكانت ترى أن تتصل بمخلوقاته” .
فأوضح أن تلك الوجهة الخاطئة منهم هي التي أوصلتهم إلى الشرك بالله تعالى.
وعلى هذا ذكر ابن جزي أن تلك هي مقولة جميع المشركين، فعند قوله تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر/3] قال: “يعني بذلك الكفار الذين عبدوا الملائكة، والذين عبدوا الأصنام، أو الذين عبدوا عيسى أو عزيرا، فإن جميعهم قالوا هذه المقالة” .
ولهذا ذكر الميلي أن المشركين “لم تزد عقيدتهم في أوليائهم وشركائهم عن تعليقهم الآمال عليهم في تحقيق مآربهم من الله؛ لما لهم عنده في زعمهم من المنزلة والجاه، كما ينظر الناس إلى من يتصلون به من حاشية أمير أو ملك في إسماعه مطالبهم” . أي هذا ما تعلقوا به لتبرير شركهم.
ونقل القرطبي قول قتادة: من ربكم؟ ومن خالقكم؟ ومن خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء؟ قالوا: الله. فيقال لهم: ما معنى عبادتكم الأصنام؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، ويشفعونا لنا عنده”.
ولما كانت تلك الشبهة التي تعلقوا بها قد جاء الرد عليها في كتاب الله عز وجل فقد عقب القرطبي عليها بقول الكلبي: “جواب هذا الكلام في سورة الأحقاف: {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[الأحقاف/28]”.
وبين ابن عاشور بطلان تلك الوسيلة التي اتخذها المشركون للقرب من الله عز وجل؛ لمنافاتها حقيقة العبادة، فقال أثناء كلامه على قوله تعالى:{لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[الزمر/4] “الذين زعموا أنهم اتخذوا أولياء وعبدوهم حرصا على القرب من الله يزعمونه عذرا لهم من فساد الوضع وقلب حقيقة العبادة، بأن جعلوا عبادة غير الله وسيلة إلى القرب من الله، فنقضوا بهذه الوسيلة مقصدها، وتطلبوا القربة بما أبعدها، والوسيلة إذا أفضت إلى إبطال المقصد كان التوسل بها ضربا من العبث” .
وعند الآية نفسها أيضا أكد هذا المعنى، فقال: “وإثبات القهار يبطل ما زعموه من أن أولياءهم تقربهم إلى الله زلفى وتشفع لهم” .