جرائم الاحتلال الغربي

خلال تاريخ الحركة الاستعمارية الغربية للعالم الإسلامي وبقية المستعمرات أظهر المستعمر الغربي صوراً قاتمة كالحة ملؤها الظلم والقهر والاستغلال.
فعلى الصعيد الإنساني ارتكب المستعمرون مجازر بحق الشعوب التي قامت تدافع عن دينها وخيراتها، فقد بلغت أعداد قتلى المسلمين في الهند حتى عام 1880م مليون مسلم سقطوا على يد الإنجليز، ومثله كانت الجزائر بلد المليون شهيد.
وكان البرتغاليون قد أحدثوا مجازر عند سيطرتهم على الشواطئ الهندية، ويسجل القائد البرتغالي البوكيرك بفخر بعضاً منه وهو يخاطب ملك البرتغال مهنئاً إياه بالسيطرة على مقاطعة جوا الهندية فيقول: “وبعد ذلك أحرقت المدينة، وأعملت السيف في كل الرقاب، وأخذت دماء الناس تراق أياماً عدة.. وحيثما وجدنا المسلمين لم نوقر معهم نفساً، فكنا نملأ بهم مساجدهم، ونشعل فيها النار، حتى أحصينا ستة آلاف روح هلكت، وقد كان ذلك يا سيدي عملاً عظيماً رائعاً أجدنا بدايته وأحسنا نهايته”.
وفي مدغشقر قتلت القوات الفرنسية ثمانين ألف في ضربة واحدة للثائرين من سكان الجزيرة، فيما أعمل الإنجليز القتل في قبائل ماو ماو الأفريقية، ثم ادعوا أن وحوشاً مفترسة ظهرت في المنطقة وتخطفت الآلاف إلى مصارعهم.
وفي الجزائر يقول الجنرال الفرنسي شان: “إن رجاله وجدوا التسلية في جز رقاب المواطنين من رجال القبائل الثائرة في بلدتي الحواش وبورقيبه”.
ويخط الماريشال سانت أرنو إلى زوجته بعض ما صنعه وجنوده في الجزائر فيقول: “إن بلاد بني منصر بديعة، وهي من أجمل ما رأيت في أفريقيا، فقُراها متقاربة، وأهلها متحابون، لقد أحرقنا فيها كل شيء، ودمرنا كل شيء… أكتب إليك يحيط بي أفق من النيران والدخان، لقد تركتني عند قبيلة البزار فأحرقتهم جميعاً، ونشرت حولهم الخراب، وأنا الآن عند السنجاد أعيد فيهم الشيء نفسه ولكن على نطاق أوسع”.
ويقول مونتياك في كتابه “رسائل جندي” وهو يصف إحدى المذابح التي حضرها : “لقد كانت مذبحة شنيعة حقاً، كانت المساكن والخيام في الميادين والشوارع والأفنية التي انتشرت عليها الجثث في كل مكان، وقد أحصينا في جو هادئ بعد الاستيلاء على المدينة عدد القتلى من النساء والأطفال فألفيناهم ألفين وثلاثمائة، وأما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب هو أننا لم نترك جرحاهم على قيد الحياة”.
وقد بلغ عدد القتلى في مدينة سطيف في مايو 1945م ما يقرب الأربعين ألفاً.
وأجبر السكان الأصليون تحت مظلة الاحتلال على العمل بأبخس الأجور، في حين كانت الأسعار في الجزائر مقاربة للأسعار في فرنسا كان العامل الجزائري يحصل على 40-70 فرنكاً لقاء عمله اليومي، في حين أن العامل الفرنسي يحصل على أكثر من ضعف المبلغ في فرنسا، وقد كان سعر كيلو الخبز يومذاك في الجزائر 48 فرنكاً وكيلو السكر 94، واللبن 25 فرنكاً فيما كان اللحم الردئ يباع الكيلو منه بـ 400-500 فرنك فرنسي.
وكان العمال في صفاقص من عمال شركة الفوسفات الفرنسية يسكنون بمعدل 10 عمال في كل كوخ، فيما تحدثت الصحف الفرنسية عن مدينة التنك (مراكش) حيث يسكن 200.000 من العمال وعوائلهم في بيوت أو أكواخ من التنك أو الخشب الذي يلتقطونه من مخلفات الشحن، وقد تحدثت إحدى الصحف الفرنسية عن القسوة البالغة التي يعيشها العمال المغاربة وعائلاتهم في هذه البيوت من غير توفر أي إجراءات تضمن صحتهم وسلامتهم.([1])
ونتيجة لضعف رواتب العمال في مراكش وانتشار الفقر بأبشع صوره كتب أحد أطباء وادي الداد في جنوب مراكش: “إن الأطفال في هذه البلاد يأكلون التراب. لماذا؟ أذلك من الفقر أو الجوع أم أنها عادة مجهولة المنشأ؟ لا أستطيع أن أقول شيئاً، ولكن هذا الواقع ماثل هنا. إن الأطفال يأكلون التراب ويصابون بالأمراض الخطيرة: فقر الدم وتضخم الطحال..”([2]).
وأما المشاريع التي أقامها الاستعمار في البلاد المستعمرة فإنما أقامها لحماية مصالحه فقط “فالجهود المبذولة لكهربة المراكز الثانوية والريفية يجب أن يكون مفهوماً أن التجهيزات المنتظرة إنما يجب أن تقتصر فقط على المشروعات ذات الدخل المضمون.
أما برنامج النقليات فعليه أن يقتصر في الدرجة الأولى على إنشاء وسائل النقل وطرق المواصلات المرتبطة مباشرة بأهداف الإنتاج المعينة في المشروع والتي تؤلف على كل حال أحد العوامل الجوهرية لنجاحه”([3])
وننبه إلى أن كل ما سمعناه عن الاستعمار الفرنسي مما سطره لنا هنري كلود ورفاقه ينطبق تماماً على الاستعمار البريطاني والإيطالي والبرتغالي وسوى ذلك من جنسيات الاستعمار الأخرى.

—————-
([1])انظر : الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، هنري كلود، وآخرون، ص:39-45.
([2]) انظر : المصدر السابق، ص (51).
([3]) انظر : المصدر السابق، ص (7 – 8).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *