الخمر ورمضان إبراهيم بيدون

يمتنع عدد من المغاربة الذين ابتلوا بشرب الخمر عن تعاطيها في شهر رمضان الكريم، وقد يمتنع بعضهم عن ذلك قبل رمضان بأيام تزداد وتنقص حسب تعظيم الفرد لشهر الصيام وخشيته من عدم قبول صومه وحجم إدمانه عليها، وهؤلاء وإن أتوا بهذه الكبيرة فهم خير ممن لا يقلع عن شربها حتى في ليالي القيام والقرآن، فكيف بقوم “ماصايمينش” الذين منهم من يتعاطى شربها حتى في نهار رمضان، فيجمع بذلك كبيرة شرب أم الخبائث، وموبقة الإفطار في رمضان..
الخمر، إنه المشروب الخبيث الذي يجعل أقواما يدخرون منه عشرات أو مئات اللترات قبل أن تتوقف المراكز التجارية عن بيعها قبل رمضان بأيام، في مفارقة من أعجب مفارقات النفاق القانوني والاقتصادي في بلدنا الحبيب، فالقانون الوضعي ينص على قانونية بيعها للأجانب فقط، ويجرم بيعها للمغاربة المسلمين، فلماذا إذن تتوقف المتاجر عن بيعها في رمضان؟
هل “كارلوس” و”جون” و”دافيد” و”سيمون” و”أنجيلا” يصير في حقهم تعاطي الخمرة في رمضان ممنوعا ومجرما؟
أم لأن هذه المتاجر التي تخالف القانون برعاية قانونية، يعرف الكل أن زبناءها الأوفياء هم عبد الله والمختار ومروان وحليمة، فلذلك تُمنع هذه المحلات من فتح جناح مشروباتها الكحولية، وإن منعت هذه المتاجر من عدم بيع الخمرة في رمضان، فإن أماكن أخرى لا يتوقف فيها تدفق ميزاب أم الخبائث عن تلبية رغبات المغاربة الباحثين عن لحظات تذهب فيها عقولهم تحت تأثير نشوة ما تنتجه شركات وطنية، وما يتم استيراده من آلاف اللترات من الشركات الأجنبية..
لقد حرم الإسلام شرب الخمر بنصوص القرآن والسنة وإجماع علماء الملة، بل أمرنا ربنا سبحانه بالابتعاد عنها باجتناب أي فعل أو مكان يقرب منها، إذ يقول جل في علاه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة90، وللخمر أضرار صحية ومالية واجتماعية، ولها تأثير حتى على مروءة الرجل، وفي هذا الشأن ورد أثر عن الصديق رضي الله عنه:
(فلما سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، هل شربت الخمر؟
قال: لم أشربها لا في الجاهلية ولا في الإسلام.
فقيل له: لماذا.. وهي لم تكن محرمة قبل الإسلام؟
فقال: لأنها مذلة للرجل مذهبة للعقل).
فهذه شهادة أبي بكر في الخمر وهو عالم من أصحاب الأهلية في الحكم على الرجال، فقد جعل الخمر مذلة للرجل لا يتعاطاها إلا من يرضى المذلة لنفسه..
فكم من كريم أذلته الخمرة فصدرت منه تصرفات تنافي التعقل والرزانة ولو تصنع حالة العقلاء..؟
وكم من غيور أذلته الخمرة في أهله، فأفقدته كرامته، وباع شرفه بعد شرب أم الخبائث؟
وكم قائد جلب الهزيمة لجيشه بعد أن أذهبت عنه الخمرة حكمة قيادته؟
وكم من حاكم طردته شعوبه، وقد كان بالأمس يتبادل وأفراد أسرته كؤوس المدامة؟
والخمر مذهبة للعقل، تخمره عن التفكير، فلا يفرق بين معروف ومنكر ولا يحسن التصرف، بل قد تجره إلى القول الفاحش البذيء، أو إلى الإجرام في حق الآخرين، وقد يكونون من أقرب الناس إليه، فكم من سكير قتل زوجته؟
وكم من سكير ذبح أمه وأخته و..؟
وكم من سكير اغتصب جارته أو قريبته؟
وعدد جرائم السكارى في مجتمعنا كثيرة، المتتبع لأخبارها في الجرائد ووسائل الإعلام يصاب بالتخمة من كثرتها، ويصاب بفوبيا المرور في بعض الأزقة أو الأحياء؛ والخروج إلى الشارع بليل عند فراغها من الناس.
إن رمضان محطة إيمانية بما جمعت من النفحات الربانية، والنسمات الإيمانية، لكي يقلع كل مبتلى عما ابتلي به، خصوصا متعاطي الخمر والحشيش والدخان، فلا تضيع أيها المبتلى أدوية هذا الشهر الكريم، واغتنم طهرك ساعة الصيام لساعة الإفطار!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *