كيف تخدم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مشاريع العلمانيين؟

خلال مشروعها لإعادة هيكلة الحقل الديني، اهتمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالدرجة الأولى ببسط سيطرتها على مناحي الحياة الدينية للمغاربة، فأصدرت دليلا للإمام والخطيب والواعظ صرحت فيه أنها ترمي من وراء إعداده وتوزيعه إلى الأهداف التالية:
“- صيانة وظائف المساجد وحرمتها.
– ضمان الطمأنينة اللازمة للمصلين ورواد المسجد.
– إرشاد الأئمة والخطباء والوعاظ إلى قواعد جامعة وموحدة يتحقق بها الهدفان السابقان.
– تعميق التواصل بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وبين الأئمة والخطباء والوعاظ والمرشدين، وسائر القيمين الدينيين، بما يخدم المصلحة العليا للأمة.
والهدف من كل ما ُذكِر حماية الوحدة العقدية والمذهبية والسلوكية الدينية للمملكة المغربية”. صفحة 13و14 من دليل الإمام والخطيب والواعظ.
وبتأمل الأهداف المسطرة والتدابير والإجراءات التي تم تنفيذها على أرض الواقع، يبدو أن وزارة الأوقاف تجعل أكبر همّها القضاء على أي منافس لها ينتج خطابا دينيا لا يتماهى تماما مع ما تريده أن يصل إلى أسماع الناس وعقولهم؛ وهذا ما يفسر ردّ فعل المجلس العلمي الأعلى ضد فتوى الدكتور يوسف القرضاوي حول جواز اقتراض المغاربة بالربا والذي كان أقرب إلى السباب منه إلى العلم الشرعي، الأمر نفسُه حَكَم بيان المجلس الأعلى خلال الحملة الشرسة التي انتهت بإقفال أكثر من خمسة وستين دارا للقرآن.
لذا وبعد سنوات من الضبط والتمحيص والتشدد في الانتقاء والمراقبة الصارمة التي أعقبتها حالات كثيرة جدا من الطرد والتوقيف طالت العديد من الخطباء والوعاظ والأئمة، صرح وزير الأوقاف أنه: “لم يعد هناك إمام يسير في الاتجاه المعاكس”.
إلا أن المتتبع لتنزيلات مشروع هيكلة الحقل الديني على الواقع، يلاحظ بوضوح أن هذا المشروع يقوم على مرتكزات رئيسة تشكل القاسم المشترك بين كل التدابير التي تتخذها وزارة الأوقاف نجملها في الآتي:
1- منع المخالفين من اقتحام الشأن الديني.
2- الانتقائية في التعامل مع الثوابت، مع فرض التقليد خدمة للمرتكز الأول (منع المخالفين..)، ومن أمثلته التقيد بالمذهب المالكي في التسليمة الواحدة عند الخروج من الصلاة، في حين يتم إهمال الحديث عن باقي الأحكام الشرعية كتحريم الربا والقمار..
3- قَصْر الخطاب الديني للمؤسسات الرسمية على العبادات المتعلقة بالمسجد، وعلى الدعوة إلى السلوك الصوفي، بشكل يخدم المبدأ العلماني الذي يفرض على الناس اعتقاد أن الدين والتدين مسألة فردية، وليست مسؤولية جماعية.
4- الحرص على عدم الاصطدام مع العلمانيين، بل التعاون معهم ومشاركتهم في أنشطتهم كمحاربة السيدا، لكن بالشكل الذي لا يتعارض مع المنهج العلماني والرؤية اللادينية للإنسان والكون والحياة.
5- منع الأئمة والخطباء والوعاظ من انتقاد تجار الفساد مثل المروجين للخمور والقمار، أو إنكار المنكرات كهدر المال العام فيما لا يعود بالنفع على المغاربة، أو تقديم القدوة السيئة لأبنائنا كدعوة ملك اللواطيين في مهرجان موازين.
ولعل خير دليل على صحة ما أسلفنا ذكره هو قضية إعفاء السيد رضوان بن شقرون -رئيس المجلس العلمي المحلي لعين الشق- والذي جاء كعقاب للرجل، فرغم كونه مالكيا أشعريا إلا أن أشعريته ومالكيته لم تشفعا له، لأنه خالف مرتكزات الوزارة التي تقضي بفصل العلماء والخطباء والأئمة والوعاظ عن الحياة العامة، وركب رأسه واستمر في انتقاد المخالفات الشرعية السائدة في المجتمع دون تمييز بين ما هو فردي وما هو مؤسساتي، مما جر عليه غضب كل من الوزير والكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى.
فمرتكزات هذين الرجلين ومنهجهما في التعامل مع قضايا الشأن الديني تثير تساؤلات كثير من الباحثين حول مشروع هيكلة الحقل الديني، هل يخدم الدين أم السياسة؟
خصوصا مع القبول والرضا الذي يحظى به مشروع هيكلة الحقل الديني من طرف العلمانيين بالمغرب ودعمهم لوزير الأوقاف وإشادتهم به وبمجهوداته وقراراته، بل تصريحهم في غير ما مناسبة بأن السياسة الدينية في المغرب تخدم توجههم العلماني الحداثي(1)، مما يعطينا الحق في التساؤل مرة أخرى لماذا لا يتصدى وزير الأوقاف للمد العلماني الذي اتسع حتى شمل أغلب مناحي الحياة العامة في المغرب؟
إن التناقض بين ما هو ديني وما هو سياسي يجعل مهمة تدبير الشأن الديني تنحرف إلى تسخير الديني لخدمة السياسي، إذ تصبح نتائج التدابير والقرارات المتخذة في هذا المجال تتلخص في ضبط الشأن الديني برجاله ومؤسساته وخطابه حتى لا يتدخل في المجال السياسي، الأمر الذي يستوجب محاصرة كل فاعل ديني غير رسمي حتى لا يحدث في المجتمع ما من شأنه أن يشكل إزعاجا للسياسي، ومن ثَم يسقط مشروع هيكلة الحقل الديني في خدمة مشاريع العلمانيين.
وهذا ما دفع بعض المحللين إلى القول: “..أكيد أن الخطاب الرسمي يرفض اعتبار المغرب دولة علمانية، ولعل هذا الأمر هو الذي يدفع إلى القول إن النسق المغربي هو نسق شبه علماني باعتبار أن كل نسق يتشكل من بنيتين: بنية التدبير وبنية الشرعنة.. أهم أهداف الاستراتيجية الدينية الرسمية تكمن في استكمال بناء أسس «الدولة اليعقوبية» في المغرب، المتمثلة أساسا في «مركزة السلطة» وتشكيل «هوية وطنية» تميز المغاربة عن باقي الشعوب العربية والإسلامية. ومن هذا المنظور، يتم التشديد على مكونات الهوية الدينية المغربية المتجسدة في العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف على طريقة الجنيد السالك. وعليه، فتدبير الشأن الديني لا يخدم بالضرورة أهدافا دينية. ولعل هذا ما يضفي المشروعية على اعتبار النسق السياسي المغربي نسقا شبه علماني”(2)
هذا النسق الشبه العلماني هو ما يجعل الدولة في حرج شديد حيث لا تحظى مؤسساتها الدينية التي تنشئها لصرف الناس عن مصادر الخطاب الإسلامي الأخرى بالقبول من طرف المغاربة، فمن يطالع عدد الفتاوى التي تعرض على المجلس العلمي الأعلى يجدها لا تفوق عدد أصابع اليد، ومن يطلع على نسبة مشاهدة القناة الإعلامية الدينية الوطنية يلاحظ أنها جد متدنية إذا قورنت بغيرها من القنوات الدينية الأخرى. والسبب في ذلك كونها لا تستجيب لحاجات الناس ورغباتهم وتطلعاتهم.
فكيف يمكن أن يحظى المجلس العلمي الأعلى باحترام المغاربة عندما تنشر الصحف أن هذا الأخير أقال أحد رؤساء المجالس العلمية لأنه انتقد استدعاء منظمي مهرجان يمول من جيوب المغاربة لمغن يعتبره اللواطيون ملكهم؟
وكيف يمكن أن تحوز القناة السادسة إعجاب الناس وهم يسمعون فيها ترويجا للقبورية من استغاثة بالموتى واستعانة بهم، وغلو في الأضرحة؟
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- (انظر مقال بعنوان فتوى المغراوي وسؤال الإصلاح الديني لمقرر لجنة الهوية في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي نشر بجريدة الحزب بتاريخ 22 أكتوبر 2008)
2- (انظر مقال: المقاربة العلمانية لتدبير الشأن الديني/محمد ضريف-المساء عدد1192).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *