“الميثولوجيا”.. “الثيولوجيا”.. “الفيلولوجيا”.. “الميثات”.. مصطلحات يستعملها العلمانيون للتعبير عن الوحي والدين

من خلال الدراسة والاطلاع على كتب ومقالات العلمانيين نجد أن عباراتهم والمصطلحات التي يستعملونها للتعبير عن الوحي لا تخرج على المفهوم الغربي في دراساتهم لدين الإسلام -كما سبق أن ذكرنا في مقال التعريف بالفلاسفة الخمسة- ، ولذلك تجدهم يرددون بإمعية كاملة ألفاظ ومصطلحات أساتذتهم، فيطلقون على الوحي مصطلح “ميثولوجيا” أي مجموعة الأساطير التي تعمل على فك مستغلقات الحياة والموت (المعجم الفلسفي ص:13، معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية ص:42)، ويجعلون المنهج المثولوجي أساس دراساتهم باعتباره عملا يعالج تصنيف المعتقدات ويحللها ويقارنها وفق المفهوم الغربي بطبيعة الحال.

وأحيانا يسمون النصوص “الميثات” جمع “ميث” وهي الأسطورة والقصة الخرافية التي يسودها الخيال، وتبرز قوى الطبيعة في صور كائنات حية ذات شخصية ممتازة، وتستخدم في عرض مذهب أو فكرة عرضا شعريا قصصيا (معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة لعلوش ص:207، والموسوعة العربية الميسرة 2/1797).
وإذا تكلموا عن الدين أطلقوا عليه اسم “ثيولوجي” وهو مصطلح يعني اللاهوت بالمفهوم الغربي النصراني واليهودي، ويعرفونه بأنه علم يبحث في وجود الله وذاته وصفاته ويسمى أيضا “ثيولوجيا” وعلم الربوبية والإلهيات، واللاهوت الطبيعي، يعتمد على التجربة والعقل وحدهما دون الرجوع إلى الوحي، ويقابله عندهم اللاهوت المنزل ويعتمد على النصوص المقدسة (المعجم الفلسفي ص:160-161).
وإذا تعرضوا لدراسة الوحي ونصوصه تخاطروا بألفاظ تلقوها عن أساتذتهم، وتنافروا بالمصطلحات الغربية على أساس أنها هي الحق والحقيقة والعلم، من أمثال “الفيلولوجيا” وهي الطرق التي تستهدف إنجاز النص وتسهيل قراءته ونقده، ودراسته دراسة نقدية من خلال الوجهتين التاريخية المقارنة. (معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة لعلوش ص:171).
وقد استخدموا هذا المنهج النقدي تبعا لسلفهم سبينوزا وغيره، وحاولوا من خلال هذا النقد هدم نصوص الكتاب والسنة كما فعل الغربيون مع الكتب المحرفة، أو التشكيك في ثبوتها وصحتها أو في مدلولاتها القطعية، كما أنهم استعملوا لهذا الغرض الأخير منهج التأويل المعاصر الذي يطلقون عليه مصطلح “هرمينوطيقا” وهي طريقة التأويل، تدرس المبادئ المنهجية في التعامل مع النصوص وتفكيك رموزها وكشف أغوارها، وتستهدف ميدان -الوحي الذي هو أهم ميدان للهرمينوطيقا- الدراسة التأويلية للرموز والاستعارات، وتعني استخلاص المعنى الكامن انطلاقا من المعنى الظاهر، أو الانطلاق من المعاني المجازية بحثا عن معاني الحقيقة.
وقد استُخدم هذا المصطلح في أول الأمر في دوائر الدراسات اللاهوتية ليشير إلى مجموعة القواعد والمعايير التي يجب أن يتبعها المفسر لفهم النص الديني “الكتاب المقدس” عند الأوربيين من يهود ونصارى، ثم اتسع هذا المصطلح ليشمل كل العلوم الإنسانية، غير أن الحداثيين والعلمانيين في سياق تبنيهم لسبينوزا ومناهجه، توجهوا إلى الوحي من قرآن وسنة لدراسته على أساس المنهج التأويلي “الهرمنيوطيقي” حسب مفهوم تعبير الغربيين وتعريب المستغربين.
ومن المصطلحات التي تقمصها المنهزمون من أبناء المسلمين في دراستهم للوحي مصطلح “التاريخية” أو “التاريخانية”، وقد أغرم بهذا المصطلح إلى حد التقديس كتاب من قبيل محمد أركون ونصر أبو زيد..
ويفضل أركون استخدام التاريخية ويفصل بينها وبين “التاريخانية”، على اعتبار أن التاريخانية هي التي تقول بأن كل شيء أو كل حقيقة تتطور مع التاريخ، وتهتم بدراسة الأشياء والأحداث من خلال ارتباطها بالظروف التاريخية، ويرى أركون بأنه يجب تجاوز هذا المعنى إلى “التاريخية” التي تسمح وحدها بتجاوز الاستخدام اللاهوتي أو القومي، وبشكل عام الإيديولوجي للتاريخ (الفكر الإسلامي قراءة علمية ص:139).
..ويتعامل المستغربون مع الوحي على الطريقة الغربية باعتباره فكرة من الأفكار، ويدرسون كيفية انتشاره، والنزاعات التي أثرت في وجوده وتطويره، مستبعدين قضية عصمة الوحي وعصمة المبلغ صلى الله عليه وسلم، ووحدانية الموحي والآمر به، ثم يصدرون بناء على دراسة الظروف والملابسات والأوضاع التي مرت بها نصوص الوحي -وفق معلوماتهم وحسب أغراضهم ومقاصدهم- الأحكام على النصوص وخاصة القرآن.. ويطبقون سائر مقتضيات هذا المنهج “التاريخي” على نصوص الوحي بصورة تدل على اعتقادهم العميق بعصمة وصحة هذا المنهج، وهم في التاريخية والهرمينيوطيقا أتباع مخلصون لفلسفة “مارتن هايدغر”. (انظر الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها ص:1068).
فصدق من سمى المادية (مذهب ذوي العاهات) ومن أطلق عليها وصف (الخمور الفكرية).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *