اعتقاد العلمانيين في الله جل وعلا وكتبه واليوم الآخر والغيب..

لا يحسبن أحد حين يسمع العلمانيين يعلنون إيمانهم بالله تعالى أنهم يعتقدون في إله خالق رازق مدبّر؛ مستحق –وحده- لكل صنوف العبادة؛ لا أبدا فالإله عندهم هو: الدافع الحيوي، التقدم، الحرية، الطبيعة، الخبز، الحب(1) أو هو الأمل بالعدالة والحرية والمساواة (2).

كذلك لا يجب أن نفهم أن اليوم الآخر في الدين العلماني الجديد هو نفسه الذي تؤمن به الأمة؛ فإن الغيبيات عموماً كالعرش والكرسي والملائكة والجن والشياطين والصراط والسجلات وغير ذلك ليست إلا تصورات أسطورية(3).
وإن فكرة اليوم الآخر في أساسها نشأت في منظور بعض العلمانيين مع عبادة الشمس لدى المصريين، ونشأت فكرة الخلود مع الدين الرسمي أو دين الدولة(4) أي أن العالم الآخر أسطورة ولدها الكهنة ليسيطروا على الناس ويحكموهم (5).
والكتب المقدسة بما فيها القرآن تنكر العالم الغيبي لأن الغيب في القرآن هو المستقبل فهو الوحيد الغائب، وأصبح من الممكن أن يُوصَل إليه بقليل من المنطق والحساب(6). إن عالم الغيب الجديد لم يعد رهناً بما يقوله الكهنة، ولم يعد خارجاً عن سنن الطبيعة، وصار قابلاً للتفسير العلمي(7).
إن البعث ليس في السماء، إنه في المستقبل على الأرض، ولا يحتاج إلى دليل مشاهد ملموس، إن الدين لا يتحدث عن الموتى ولا يُكلم الناس الحاضرين عن عالم غير حاضر (8).
البعث الذي يريده القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ليس هو البعث بعد الموت، وإنما هو البعث من عالم الطفولة والتخلف إلى عالم التقدم والوعي، البعث من الحياة الغريزية الطفولية الغائبة في ظلام الوعي إلى عالم العقل الحاضر في ضوء الصحوة واليقين.
إن العرب أساءوا الفهم فحولوا الجدال إلى عالم الأموات، وتحدوا الرسول لكي يحيي أمامهم رجلاً ميتاً، ولو كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يريد من العرب أن يؤمنوا بالبعث بعد الموت فقط لقبل هذا التحدي وسكت، لكن الرسول كان يدعو العرب إلى الإيمان بالبعث في هذه الحياة، بإعادة الوعي إلى جيل غائب عن عالم الوعي(9).
إن المرء لكي يكون مسلماً لا يحتاج إلى الإيمان بالجن والملائكة، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل (10).
ولا يحتاج للفرائض الشعائرية أو القبـول الساذج للحياة الآخرة (11).
” قد لا يكون البعث واقعة مادية تتحرك فيها الجبال وتخرج لها الأجساد بل يكون البعث هو بعث الحزب وبعث الأمة وبعث الروح فهو واقعة شعورية تمثل لحظة اليقظة في الحياة في مقابل لحظة الموت والسكون”(12).
“إن أمور المعاد في نهاية الأمر ما هي إلا عالم بالتمني عندما يعجز الإنسان عن عيشه بالفعل في عالم يحكمه القانون ويسوده العدل، لذلك تظهر باستمرار في فترات الاضطهاد وفي لحظات العجز وحين يسود الظلم ويعم القهر كتعويض عن عالم مثالي يأخذ فيه الإنسان حقه.. أمور المعاد في أحسن الأحوال تصوير فني يقوم به الخيال تعويضاً عن حرمان في الخبز أو الحرية، في القوت أو الكرامة”(13).
إن “الجنة والنار هما النعيم والعذاب في هذه الدنيا وليس في عالم آخر يحشر فيه الإنسان بعد الموت، الدنيا هي الأرض، والعالم الآخر هو الأرض، الجنة ما يصيب الإنسان من خير في الدنيا، والنار ما يصيب الإنسان من شر فيها”(14)، “أمور المعاد هي الدراسات المستقبلية بلغة العصر والكشف عن نتائج المستقبل ابتداء من حسابات الحاضر”(15).
أما الحور العين والملذات فهي تعبير عن الفن والحياة بدون قلق(16) وأما الوطء فهو تعبير عن عقلية ذكورية جامحة إلى السيطرة (17).
هذا هو مجمل اعتقاد هذه الفئة فيما ذكر؛ عزونَاه إلى مراجعه؛ حتى يتبين لكل قارئ لهذه السطور الحجة وتستبينَ المحجة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حوار المشرق والمغرب؛ حسن حنفي ص:72.
(2) قضايا في نقد العقل الديني؛ أركون ص:282؛ وانظر: المرأة والدين والأخلاق: نوال السعداوي ص:50.
(3) النص، السلطة، الحقيقة؛ نصر حامد أبو زيد ص:135.
(4) ملاك الحقيقة؛ مراد وهبة ص:299.
(5) الإسلام في الأسر؛ الصادق النيهوم ص:82.
(6) المرجع السابق ص:81.
(7) المرجع السابق ص:82.
(8) المرجع السابق.
(9) المرجع السابق ص:106-107.
(10) في فكرنا المعاصر؛ حسن حنفي ص:93.
(11) أركون ص:81.
(12) من العقيدة إلى الثورة 4/508؛ حسن حنفي.
(13) من العقيدة إلى الثورة؛ حسن حنفي 4/600.
(14) المرجع نفسه 4/601.
(15) المرجع نفسه 4/605.
(16) العنف والمقدس والجنس تركي علي الربيعو ص:140-141.
(17) المرجع السابق ص 132-138.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *