المنهج المعرفي الغربي مادي في أساسه، متمركز على المادة، وبالتالي فهي تنكر الغيب وما يتصل به من إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وترفض الحضارة الغربية وفق المنهج العلمي أي مصدر آخر للمعرفة خارج عن نطاق الفحص الحسي المادي، الخاضع للتجربة المخبرية أو المشاهدة.
وبما أنها مادية فإنها تخضع كل شيء لقوانين المادة من تحول وتغير، ولا يوجد هناك ما يسمى ثابت مثل القيم والأخلاق، لأنها ليست أشياء يمكن تقديرها بالكم، فالصدق بما أنه لا يمكن وزنه ولا قياسه بالكمية أو بالأرقام فهو -في المفهوم الغربي- شيء مفتعل وغير موجود، ولا ثمرة من ورائه.
والعلوم الإنسانية في طابعها العلماني الحديث وزخم الاكتشافات الخارقة والمكتسبات الهائلة التي أحرزت عليها أدت من حيث أبعادها الأخلاقية والروحية والإنسانية إلى متاهات عقائدية. فسلبت الإنسان من مكوناته الأساسية التي ترتفع بها فطرته البشرية، وتعتدل بها نفسيته، وتتزكى بها عقليته ويتسامى بها ضميره وروحه.
فالشذوذ الجنسي لا ينظر إليه في المجتمعات الغربية على أنه جريمة دينية أو أخلاقية إلا في أطر ضيقة جدا، فهم يقومون بممارساتهم اللاأخلاقية في إطار الحرية المزعومة، ولقد أنشأ هؤلاء المنحرفون عن الفطرة جماعات ومنظمات للدفاع عن حقوقهم في التردي والانحراف منذ أعوام عديدة، واستطاعوا الحصول على امتيازات وحصانات بالتدريج والوصول إلى مناصب هامة، ومع كل ميزة جديدة كانوا يرسخون بها أقدامهم في أوحال مجتمعاتهم، ويثبتون أنفسهم اجتماعيا ويميلون بالأعراف الأخلاقية في بلدانهم.
فسن قانون لصالحهم أو استصدار مرسوم هو الخطوة الهامة والرئيسية عندهم، يقول أحد نشطائهم: “بمجرد أن يتغير القانون ستتغير أمور كثيرة.. في البداية نريد دفعة من القانون لأنه بمجرد أن يصبح الأمر قانونيا يبدأ الناس في التعود عليه”.
ففي العشرين سنة الأخيرة شهدت أوروبا وأمريكا حركات احتجاجية قوية، لكنها هذه المرة تشهد احتجاجات فريدة من نوعها؛ احتجاجات على إدانة الشذوذ والمطالبة بالاعتراف به، وتخفيف أو إلغاء كافة القيود القانونية والاجتماعية والأخلاقية الناتجة عن هذه الإدانة.
وتحت شعار حماية حقوق الإنسان تنافح العديد من المنظمات والهيئات والشخصيات عن دمار ذلك الإنسان، فها هي منظمة العفو الدولية تفاخر بإنجازاتها في الدفاع عن حقوق الشواذ الذين تطلق عليهم تلطفا “مثليي الجنس”، فقد جاء في تقرير المنظمة الإشادة بما حققه الشواذ من “نجاحات كبرى في الدفاع عن حقوق السحاقيات واللوطيين وذوي الميول الجنسية الثنائية والمتحولين إلى الجنس الآخر”.
وفي ألمانيا اتجهت ظاهرة الشذوذ الجنسي من الوسط الشعبي إلى الوسط السياسي، حيث شهدت البلاد في السنوات الأخيرة تورطاً كبيراً في هذه الظاهرة المرضية، حيث تفشى الشذوذ بين الوزراء، والنواب، والقادة الحزبيين، والمسؤولين في الدوائر الحكومية، بعد أن كانت في العهد النازي جرماً عقوبته الإعدام، والتعذيب، والتشهير الاجتماعي. واللافت أن تهافت السياسيين على الاعتراف بشذوذهم الجنسي بات مطلباً انتخابياً بعد أن كشفت التجربة بأن السياسيين الذين اعترفوا بشذوذهم الجنسي فازوا بأعلى نسبة من أصوات الناخبين، وهكذا، لم تعد هذه الظاهرة بعد اليوم شائنة وعيباً اجتماعياً، بل باتت برنامجاً انتخابياً يستهوي الناخبين الذين يقدّرون جرأة المرشّح ووقاحته.
إن التجبر الغربي تحت شعار العولمة وإحساسهم أنهم أهل لتصدير أفكارهم وأنماط حياتهم للعالمين على الرغم من أنهم يحتاجون لإعادة إعمار الوجدان والخلق والعقل، لجدير بأن يجعل الأمم العاقلة وعلى رأسها أمة الإسلام في حذر من استيراد الأفكار والألفاظ وأنماط الحياة من أمة موبوءة كهذه.