وكما هي عادة بني علمان في مجلة “نشيان” تعلن من جديد عن حقدها الدفين، وعدائها للدين ولشرع رب العالمين، وتجدد ولاءها لإبليس اللعين، وذلك حينما قامت “المحرومة” -وهي صحافية في مجلة “نيشان”- بمحاكاة شخصية العفة والطهر والوقار، مرتدية لباس المنتقبات العفيفات، نزلت إلى الشارع، لتقوم بجولات، تسجل من خلالها انطباعاتها وارتسامات الناس من حولها طيلة يومها.
وتبدأ اللعبة المسلية كما يروق “للمحرومة” أن تسميها عندما لبست النقاب الذي وصمته بعبارة “النينجا سيكسي” وهذه المصطلحات ليست بالغريبة علينا، لكنها قديمة قدم الحياة تجسد الصراع بين الحق والباطل، وهي من بين تلك التهم المعلبة الجاهزة التي يلصقها الإعلام العلماني الخبيث بالمرأة المنتقبة التقية النقية، ألا ساء ما يصفون!!
لتخلص بعد ذلك إلى أن “ملابس المنتقبة صعيبة بزاف” وبأنها “تحس بالاختناق الشديد” وفي نهاية اللعبة تسرع لخلع “لباسها التنكري وهي متشوقة لتنفس الهواء بشكل طبيعي”.
النقاب سهل ميَّسر على الممتثلة لا الممثلة
أود أن أخبر “المحرومة” من منطلق امتثالي لهذا الأمر الربّاني لسنوات عدة، أن لباس المتنقبة سهل ميَّسر على من سهّله ويسره الله عليها حيث يقول رب العالمين وهو أصدق القائلين: “مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” المائدة، ويقول أيضا: “لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا” البقرة.
ولا شك أن النقاب مما يسع المرأة المسلمة، ومن لم يسعها ما وسع نساء القدوة –سيداتنا وتيجان رؤوسنا- فعليها أن تعيد النظر في قلبها، فإذا أحست هذه “المحرومة” بالاختناق، فهذا أمر هين في حياتنا الدنيا، ولكن الأمر في الآخرة أشد وأمر، يقول الله تعالى: “قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ” التوبة.
فالنقاب إذن أمر مشروع محمود، وارتداؤه من محاسن الأمور ومكارم الأخلاق، ومن ترتدي النقاب من النساء فهن مقتديات فيه بأخواتهن الفضليات من السلف الصالح، وفيهن أمهات المؤمنين رضوان الله عنهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. فحين أمرهن الله تعالى في آية الحجاب بقوله عز وجل: “وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ” الأحزاب امتثلن دون اعتبار للحر أو القر.
وقد بين سبحانه الحكمة من هذا التشريع فقال: “ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ” وهذه علة عامة، لأن طهارة القلوب مطلوبة لكل مسلم ومسلمة ومع ذلك فحكمة الحجاب ظاهرة لأن كشف محاسن المرأة سبب للفتنة، وإذا وقعت الفتنة وقعت المعاصي والفحشاء، وإذا سادت المعاصي والفحشاء فذلك عنوان على الدمار والهلاك.
وإذا أمرت نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب مع طهرهن وورعهن فغيرهن من باب أولى.
ونحن في هذا المضمار لسنا بصدد بيان هل النقاب واجب أم زيادة فضل؟ فهذا مما وسعه الخلاف بين أهل العلم المعتبرين.
ولكن المهم عندنا هو توضيح أن النقاب ليس بدعة ولا تنطعا ولا تطرفا في الدين كما تدعيه “المحرومة”.
فستر المرأة لوجهها وكفيها له أصل في السنة المطهرة، وقد كان ذلك مألوفا معهودا في زمن النبوة كما يشير إليها قول الصادق المصدوق –الذي زكاه ربه في نطقه فقال: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى): “لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين” رواه البخاري 4/42.
والأدلة الشرعية من نصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف كثيرة ومتضافرة، تدل على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كنَّ منتقبات، ويكفينا فخرا أن النقاب كان لباس تلك السيدات القدوة، فهن بكل اعتزاز أسوتنا، ونتحدى العالم شرقا وغربا أن يجود علينا بمثلهن وفي هذا غنية وكفاية لكل منصف مريد للحق.
وكما عرف النقاب عند أولئك السلفيات الطاهرات فهو معروف اليوم عند النساء المحصنات العفيفات، ولن يضرهن المرجفات في “نيشان”.
استهزاء بالنقاب فصل من فصول لعبة حقيرة
أما استهزاء العلمانيات ومن ينحو نحوهن من المستغربين والمستغربات فإنما هو ومؤامرة قذرة، حبكت تعليميا وإعلاميا حبكا دقيقا محكما، كان ابتداؤها على أيدي اليهود يوم أن “جلست مسلمة أبية –التي تربت في المدرسة المحمدية- إلى صائغ يهودي في المدينة، لتشتري منه ذهبا فراودها اليهود المحرومون أن تكشف عن وجهها، فأبت العفيفة أن تفعل، فتسلل الصائغ اليهودي الوقح إلى المسلمة الأبية فعقد طرف ثوبها بظهرها، فلما قامت المسلمة انكشفت سوأتها. فضحك اليهودي، وصرخت المرأة. فكانت خستهم سبب إجلائهم من المدينة”. والقصة مشهورة في كتب السير انظر سيرة ابن هشام 2/47-48.
فاليهود عبر التاريخ متخصصون في كشف العورات والسوءات! والعلمانيون يقتفون أثرهم!! وليس من باب الصدفة أن “سناء عاجي” تعمل لحساب مجلة ملكية أكثر أسهم الشركة التي تصدرها في يد أحد اليهود.
فشتان شتان بين هذه المسلمة النقية الأبِيَّة التي أبت أن تكشف عن وجهها وبين هذه “المحرومة” التي لا تدَّخر وسعا في تشويه مفهوم الستر في نظر الناس، حين اطلعت على خفايا قلوبهم، لتقول على لسانهم في مسرحيتها “ها العار ما تفركعيش”!؟
وشتان شتان بين المنتقبة الحقة التي قالت بلسان الحال والمقال: “طبقنا شرع ربنا” وبين من قالت: “جربنا النينجا”.
وتسترسل “المحرومة” في لعبتها، لتسجل استغراب رجل الشارع من المرأة المنتقبة، في حين لا يستغرب سائق “الطاكسي” ولا مرافقتها المحجبة، ومن العجيب الغريب ألا تثير استغراب بائعة التذاكر في شباك السينما ولا موظفي الأمن.
فيا له من تناقض كبير! وبهتان عظيم! يدل على سوء النية لدى “المحرومة”.
فالمنتقبة –كما تدعي الكاتبة- تلفت الانتباه والأنظار عند رجل الشارع الذي له تاريخ طويل مع “الحايك” و”الجلباب” و”اللثام”، ولا تثير الاستغراب وهي تلج وكرا مشبوها يعرض فيه الفسق والمجون. مع أن النقاب لباس مغربي أصيل توارثته الأمهات عن الجدات والصغيرات عن الكبيرات، جيلا بعد جيل، وأقره علماء المغرب حتى هذه الأزمنة المتأخرة، بل ولا يزال هذا اللباس يفرض وجوده بِعزَّة في المناطق الجنوبية.
إن حجاب المرأة المسلمة -ومنه النقاب- من أعظم الضمانات الوقائية التي وضعها الإسلام سياجا واقيا للمرأة المسلمة أولا، ولأفراد المجتمع الإسلامي ثانيا، تطلعا إلى إقامة مجتمع طاهر عفيف، لا تستثار فيه الدوافع والشهوات الكامنة إلا وفق ما أحل الله تعالى “قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ” البقرة.
المواطنون يحترمون النقاب والمنقبات رغم تعنت “المحرومة”
وتتمادى “المحرومة” لتسمي ما رأت في وجوه المواطنين -حسب زعمها- رفضا للنقاب، وما الرفض التي تأولته إلا إسقاط ذاتي لإفرازات داخلية مشبعة بالكره والحقد، ضد المسلَّمات اليقينية في الشريعة الإسلامية، وما النقاب إلا مطية لشن هذه الهجمات الشرسة.
فشأنها شأن كل ناعق وناعقة من أهل الفجور والفساد، يريد أن يظهر نفسه، ويصبح له رأي ينسب له ولو على حساب الشرع الحنيف –الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه من لدن حكيم عليم- ليهدم كيان الدين.
وحتى لو افترضنا وسلمنا جدلا أن هناك استغراب من رجل الشارع المغربي، فسببه في الحقيقة ما يُنتجه الإعلام العلماني من شبهات حول الإسلام وأحكامه، وما يمارسه من إرهاب فكري على قارئيه ومستهلكيه، وأيضا على اختلال التوازن بين الشكل والمضمون فيما قامت به “المحرومة”، من مشية مشينة، وحركات خليعة مبتذلة، الشيء الذي يتناقض مع لباس الطهر ويستوجب الاستنكار والاستغراب لفعل لابسة الزي، وليس للنقاب في حد ذاته، ويدل على ذلك الاستنكار الذي أبدته البائعة حين أرادت “المحرومة” شراء سروال “جينز طاي باص” فهذا النوع من اللباس يتهافت عليه نوع معين من النساء تهافت الفراش على النار، لعيشهن حياة السفور المزري، والعري المخزي، والتبرج المغري، بينما تترفع المنتقبة عن ارتدائه حتى ولو كانت في بيتها.
نفس الشيء بالنسبة للاستغراب الذي صدر عن سائق “الطاكسي” حين تكلمت “المحرومة” في النقال مع محدثها باللغة الأجنبية.
وما ذاك إلا لأنه يعلم بفطرته السليمة التي لم تفسد بعد، وبموروثه الديني الذي لم يتلاشى بعد أن المنتقبة كما أنها تعتز بلباسها، فهي أيضا تعتز بلغتها العربية. ولا تحيد عنها في التخاطب قيد أنملة إلا لضرورة قاهرة. لأنها أفضل اللغات على الإطلاق، ويكفيها شرفا أنها لغة القرآن.
وأما إحساس “المحرومة” “بنظرات المارة إليها” فهو أمر راجع إلى حالتها النفسية المرتبكة لأنها ادعت ما ليس فيها ولا لها، فليست الثكلى كالنائحة المستأجرة.
ويبقى الطابع العام للشارع المغربي إسلامي محافظ رغم شنشنة العلمانيين ودندنة المحدَثين، وهذا هو السر في تعليق سائق “الطاكسي” على ما عمت به البلوى من هتك لأستار الحياء والحشمة، ومما يكاد يتفطر له القلب حزنا وأسى، وهم في طريقهم إلى شاطئ “عين الذئاب”، وفيه دليل على رفض العري من الإنسان العادي، لهذا نجد ربط ما رآه من منكر بحبس القطر حينما قال: “الله يستر بسيف ما يكون الجفاف” صدق ورب الكعبة، لأن كثرة الذنوب من أعظم الأسباب المانعة لجلب نعم الله تعالى، لهذا قال الشاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها****فإن الذنوب تزيل النعم
ويبقى العري يشكل ظاهرة اجتماعية مرفوضة، وما السكوت المطبق إلا نتيجة للمقولة: “كثرة المساس تذهب الإحساس”.
وفي وقت الجد تظهر العواطف الدينية، فالرجل المغربي رغم حياة اللهو والعبث التي يألفها نتيجة ضعف الوازع الديني والبعد عن الالتزام، إلا أنه حين يعزم الزواج ويرغب في الاستقرار وتكوين أسرة يسعى جاهدا في البحث عن العفيفة الأمينة على عرضه وماله وولده، فهو ليس بالساذج حتى يقبل بتلك اللاهية المبتذلة، وهذا ما عبر عنه ذلك الشاب بقوله: “هاد الستيل تيعجبني” فربما خانه التعبير، لكنه في قرارة نفسه يكن الاحترام والتقدير للمرأة المستورة، وبذلك يكشف عن أصالة الرجل المغربي.
كما تشهد انطباعات “المحرومة” في قولها: “بالنسبة إليه لا يمكن أن يكون شكلي هذا إلا امرأة عالية الأخلاق” فهذا اعتراف ضمني من “المحرومة” أن المنتقبة الحقة عالية بأخلاقها، فلا يمكن أن تكون لها علاقات محرمة خارجة عن إطار الشرع، لهذا لم يتساءل السائق عن طبيعة العلاقة بينها وبين رفيقها.
ومما يؤكد الاحترام الذي تتمتع به المنتقبة الحقة، إعطاؤها الأولوية من طرف مرافقتها المحتجبة في سيارة الأجرة، التي ربما أرادت أن تسدد بعض الفضل لأهل الفضل، مما جعل “المحرومة” تتعجب قائلة “أواه هادي عمرها ما وقعت ليا”، ثم تسترسل مستهزئة “شافت فيا النور ديال الجنة”. نعم يكون النقاب نورا لصاحبته، وخطوة في طريقها إلى الجنة، وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “في الدنيا جنة من لم يدخلها، لا يدخل جنة الآخرة”.
أجل إنها جنة العبادة، فالمنتقبة الحقة الصادقة تحقق عبوديتها لربها في لباسها حتى يتحقق لها دخول الجنة برحمة من الله تعالى. وهكذا تقضي “المحرومة” يوما تنكريا لتخلص إلى نتيجة واهية مكذوبة، وهي أن “النقاب أكبر استلاب لكيان المرأة وحريتها”.
فإلى أي حد يمكن موافقة هذه النتيجة؟
وهل هذه التجربة تخضع لمعايير ومقاييس صادقة؟ أو على الأقل محايدة؟
وهل تجربة يوم واحد كافية حتى نخلص إلى نتيجة نهائية؟
ونقول لهذه “المحرومة” هلا كفيت نفسك عناء التجربة لتعطيك المنقبة الحقة تجربة سنين –نسأل الله لها الثبات على دينه-.
لتقرر أن النقاب فيه راحة للمرأة واحترام لشخصيتها وتحرير لها من عبودية الشيطان والهوى والنفس والموضة.
ولتقول بلسان الشاعر:
بيد العفاف أصون عز حجابي****وبعصمتي أعلوا على أترابي
وختاما
نتساءل عن الدافع الحقيقي وراء القيام بهذا المكر الشيطاني العلماني؟
هل هو التشكيك في الشرع الرباني من خلال الاستهزاء بالنقاب والاستهتار بمكارم الأخلاق؟
أم هو الشعور الانتمائي إلى مجتمع الفسق والرذيلة؟ والحرص على بقاء عقيدته الهشة الفاسدة؟
أم الشهرة والارتقاء العكسي في دركات الخزي والمهانة؟
أم هو مجرد عمل صحفي للكسب؟
أم هي مكابرة، ولها قرنان بارزان؟ من “محرومة” في مجلة “نيشان”؟
لقد آثرت أن أناديك باسم “المحرومة” لأنك حرمت الفهم الصحيح والرأي السديد! وحرمت التصرف السليم والقلم الصادق الأمين! وحرمت الالتزام بشرع رب العالمين! وحرمت بذلك الخير الكثير!
أوَ ليس في ثقافتك واعتقادك أن ستقفين بين يدي القدير، ليسألك عن القليل والكثير، أسئلة تملأ القلب خوفا ووجلا؟
فإن كنت لا تعتقدين في ذلك فستندمين وتتحسرين وستلجئين في ذلك اليوم إلى العض على يدك، (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) [الفرقان: 28].
فهلا من توبة وأوبة تقربك من الجليل قبل أن يأتي يوم الرحيل.