وَتصنَع الْفُلكَ.. المرأة المغربية وأمانة حفظ العرض (أعراض المغاربة؛ بين فلسفة حقوق الإنسان ومقاومة رائدات الإيمان) -الجزء الأول- حماد القباج

لم يبق الحديث عن إنكار الزنا مجرد حديث عن انحراف سلوكي تؤز إليه الشهوة الحيوانية، وتدفع إليه رغبة إشباع الغريزة الجنسية، بل صار حديثا عن فكر بشري منتكس، يستحسن الزنا ولا يرى فيه شرا ولا سوء.

ولقد أضحى هذا الفكر في بلدنا بادي الملامح واضح المعالم، وزرعت لفرضه على واقعنا جمعيات ظاهرها السعي لتمتيع الإنسان المغربي بحقه، وحقيقة أمرها التمكين أكثر للانسلاخ من الأحكام الشرعية التي ينبغي أن تضبط السير الاجتماعي للمسلم كما تضبط قوانينُ السير تحركَه اليومي.
ومن تلكم الأحكام؛ تلك المتعلقة بصيانة الأعراض وحفظ الفروج.
فقد اخترقت الجمعيات المذكورة النصوص المؤسِّسة لتلك الأحكام، وحاربت دلالاتها وتوجيهاتها؛ إلى درجة إباحة الزنا بعد أن نهى الله عن قربانه، بل عدت تجريمه والزجر عنه مسا بحق المواطن، وجناية على حريته!
في تنكر تام لقول الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء 32]
بل ذهبت تلك الجمعيات إلى حد استنكار إنكار ما هو أقبح من الزنا وأخبث؛ ألا وهو الشذوذ الجنسي: اللواط والسحاق!
وفي هذا السياق صدر عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء 26 فبراير من هذا العام 2008م عريضة تطالب الحكومة المغربية بإبطال العمل بالفصل 489 من القانون الجنائي المغربي الذي يجرم أي فعل من أفعال الشذوذ الجنسي يقوم به شخص مع آخر من نفس جنسه، كما تطالب بإطلاق سراح ستة رجال مسجونين حاليا بموجب هذا الفصل من القانون الجنائي!
وقالت خديجة الريادي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المغاربية: “إن الوقت مناسب لكي تلغي الحكومة ذلك الفصل الذي يستعمل لانتهاك حرية هؤلاء الأفراد الشخصية والذي استعمل بشكل تعسفي في قضية القصر الكبير، مما أدى إلى سجن المتهمين بدون أدلة وفي إطار محاكمة غير عادلة التي تمت تحت ضغط الشارع واعتمدت على شريط فيديو، الذي لا يوجد به أي إثبات. في حين نعتبر أن الحرية الشخصية هي حق لكل فرد مهما كان مادامت لا تمس بحرية الآخرين، ونطالب احترام تلك الحرية وعدم التدخل فيها”.
وأضافت: “ولا نعتبر أن هناك ضوابط في احترام حقوق الإنسان ولا يجب أن نعتمد على الخصوصيات كوسيلة للمس بحريات الأشخاص”.
ومعلوم أن المراد بالضوابط؛ الضوابط الشرعية التي وردت في القرآن والسنة! وبالخصوصيات؛ الأحكام الدينية التي يختص بها المسلمون!!
وهذا تعبير صريح عن رفض لكل ما يقيد حرية المغربي ولو كان دين الإسلام؛ دين الدولة بنص الدستور!
ولولا الواقع الجلي والخبر المستفيض لما صدقت أن يصل مسلم إلى هذه الدرجة من التنكر لدينه، والمعارضة لكلام ربه!
إنه الأثر الجلي لما تعرض له كثير من مثقفينا من الخطط الرهيبة لمسخ الشخصية، وغسل الدماغ، المتسببان في انقلاب الحقائق، وصيرورة الحق -عنده- باطلا والباطل حقا.
وإلا فحفظ عرض الإنسان من أعظم حقوقه، ولا يصح أن نهدره لمجرد رغبة شهوانية تتذرع بالحرية، وما مثل من يفعل ذلك إلا كمثل من يمكن الطفل من شيء يضره لأنه يرغب فيه ويجد فيه متعته.
وهكذا تعبث هذه الجمعيات بأعراض المسلمين، وتمكن المجرمين منها باسم: الحرية وحقوق الإنسان!!
فهل من غيرة شرعية شريفة؛ توقف هذا العبث وتضع حدا لهذا التلاعب بأعراضنا؟
وغير خاف على اللبيب؛ أن هذا العامل السياسي إنما هو وليد ذلك العامل الفكري الدعوي الذي أشرت إليه في مطلع هذه المقالة، وهو عامل ما فتئ أصحابه يلوكون عفونات الفلسفة الإباحية، ثم يمجونها في قلوب خاوية على عروشها، وأفئدة ضعف شعاع إيمانها؛ (لا يزني الزاني وهو مؤمن).
ولك أن تقرأ في هذا الصدد ما تقيأه على صفحات جريدة الوطن (ع 294) من وصفته هذه الأخيرة بعالم الاجتماع؛ عبد الصمد الديالمي: “على الشواذ أن يناضلوا من أجل الاعتراف بحقهم”!!!
يتفوه بهذا مع أن العلم التجريبي يشهد بأن ذلك السلوك مرض وورم اجتماعي ينبغي استئصاله، وذلك ما تؤكده مفاسده الكثيرة.
ومعلوم أن الجمعية الأمريكية للطب النفسي ما ألغت الشذوذ الجنسي من قائمة الأمراض العقلية إلا عام 1973م تحت إكراه وضغط شديدين جعلانها تتنازل عن موقفها العلمي.
.. وها نحن نرى أثر ذانك التوجهين السياسي والفكري في مجتمعنا يزداد يوما بعد آخر، وهو ما يؤكده فشو الزنا واللواط والسحاق بكل مظاهرها وأشكالها ودعواتها، وانتشارها بشكل رهيب.
وقد تجلى ذلك في هذا الطوفان الجنسي الإباحي المدمر الذي جرف الأخضر واليابس، وترك صورة المجتمع أشبه بصحراء جرداء قاحلة تتجول فيها أفاعي التبرج الفاتكة، وعقارب الميوعة القاتلة، وتنبت فيها حلفاء التفسخ والانحلال.
وهل هناك انحراف سلوكي أشد من الشذوذ الجنسي الذي تفشى وكثر المبتلون به من ذكور مارسوا الزنا حتى عافوه، وإناث ألفن الخنا حتى كرهن الرجال وصرن يبحثن عن اللذة في مخادنة النساء؟!
بل آل الأمر إلى الجهر بالدعوة إلى (التحول الجنسي)؛ التي يؤم اليوم فيها عبادَ الهوى المسمى نور الدين الذي زعم أنه كان ذكرا فصار أنثى، وأنه مسرور بذلك، وقد سارعت مجلات وجرائد الإباحية بإظهار أمره وإشهار دعوته استكبارا في الأرض ومكر السيء..
وهكذا يسخّر الإعلام الوطني لنشر تلك الرذائل، وتدنيس المجتمع بهذه الأزبال السلوكية الملوثة التي فاحت روائحها من برنامج “ستوديو دوزيم” وصفحات مجلة “نيشان” والأحداث المغربية وغيرهما.
وليس بالبعيد عنا الملف الذي أعدته (نيشان) حول البكارة عند الفتيات، ودعتهن فيه بصراحة إلى عدم اعتبار المحافظة على البكارة أمرا إيجابيا، وبلغت بهم الوقاحة وموت القلب إلى درجة نقل افتخار بعض الزانيات بفقدهن بكارتهن على فراش العهر والفاحشة!
{وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء/27]
فانتهكت الأعراض بسبب ذلك، وطم وادي الرذيلة على قرى الفضيلة، حتى صار العاقل العفيف يخشى على عرضه خشية لوط على أضيافه.
وهذه عاقبة التساهل في أمر العرض، والتقصير في واجب حفظه..
أما بعد؛ فقد أطلقت عنان القلم في وصف هذه الظاهرة وإن كانت معروفة، لأن ذلك يشكل تمهيدا ضروريا لما أردت أن أسلط عليه الضوء في هذا الموضوع المهم: ألا وهو دور المرأة المؤمنة في حماية أجيال الصلاح من اجتياح ذلك الطوفان؛ بحملهم على ما صنعت من فلك الفضيلة، الذي سيستوي بهم على جودي مجتمع يجد الطهر له فيه مبوء وملاذا أمينا.
{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيم} [هود].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *