هذه أمي …فأرني أمك… بقلم: أحمد المجاط

إن تاريخ النساء في دنيا التاريخ، لم يحفظ في أوراقه ولا في رواقه أن امرأة من فضليات النساء في دنيا النساء قد فاضت سيرتها بالعطاء والسخاء كما كنت أنت ..يا أمي..!!
من أين أبدأ..؟ وكيف أبدأ ..؟ والحروف تتواري من ذكراك في حياء..؟
فهل تسمحين أيتها الأم الفاضلة أن نتفيأ تحت ظلال سيرتك ساعة تكون عونا لنا وزادا، ونتخذها جواز مرور إلى مرتبة الفضل، وسدة العطاء.
أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:
1- عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه – وهو التعبد – الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: (ما أنا بقارئ). قال: (فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم}). فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: (زملوني زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرءا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا بن عم، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوَمخرجي هم). قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي”. (البخاري ح:3 . ك. بدأ الوحي).
2- فهي تعاشر بالمعروف: قالت عائشة رضي الله عنها- (ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها). فلم تكن رضي الله عنها من اللواتي يتضجرن أو يتأففن من خدمة الزوج بالمعروف.
3- تعرف للزوج فضله وتُجِلّه وتُعلي قدره: قالت عائشة رضي الله عنها: (فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق).
4- تثبته وتشد على يده وتعينه على أعباء الدعوة إلى الله: فكلماتها خفف الله بها من روع النبي صلى الله عليه وسلم، هل كان لأنثى غيرها أن تهيئ الجو المناسب؟ وهل كان لغيرها أن تبذل المال، والنفس في إيثارٍ منقطع النظير؟ وهل كان لزوج إلا هي أن تستقبل دعوته بالحنان والعطف والتأييد؟ دون أن يساورها شك. كيف ما كان حال المرأة إنها لا ترضى أن يفارقها الزوج ليلة فكيف بليالي ذوات عدد؟
5- سوابق نالتها ما لها فيهن من لاحق…انفردت بفضيلة السبق وشرف الإيمان، بيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب…عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب”. (البخاري 3820).
بشرها ربها ببيت: لأنها ربت بيت ليست بخراجة ولاجة، من قصب لأن لها قصب السبق إلى الإيمان، لا صخب فيه ولا نصب: قال السهيلي: “مناسبة نفي هاتين الصفتين أنه صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الإسلام أجابت خديجة طوعا فلم تحوجه إلى رفع الصوت ولا المنازعة ولا تعب في ذلك بل أزالت عنه كل نصب -تعب-،وآنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل عسير فناسب أن يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها”.اهـ
6- وشأنها مع العلم عظيم، قالت عائشة: فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد..فلولا معرفتها لفضل العلم وأهله ما كان لها أن تأتي به ورقة..، وهذه فضيلة أخرى لا تدانيها فضيلة..، فلا مجال للكهان والعرافين في حياتها؟ ولا محل لهم من الإعراب لديها..؟ فاسألوا أهل الذكر …يجلو بها الله عن الأبصار العمى وعن العطاش الظما..
7- ما قدروا الله حق قدره.. أما هي فبلى! قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: “زاد الطبراني في رواية سعيد بن كثير المذكورة، فقالت: هو السلام ومنه السلام، وعلى جبريل السلام. وقال أيضا: قال العلماء: في هذه القصة دليل على وفور فقهها، لأنها لم تقل وعليه السلام، كما وقع لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في التشهد: السلام على الله، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن الله هو السلام..فعرفت خديجة لصحة فهمها أن الله لا يُرَد عليه السلام كما يرد على المخلوقين.اهـ
فها أنت ترَيْن تعظيمها لربها وإجلالها لقدره فأين اللواتي يشركن به ولا ينزلن حوائجهن إلا بمقبور؟
8- هي ليست أم المؤمنين فحسب، وإنما كانت أُمّا لكل فضيلة، ولها في عنق كل مؤمن فضل وحق إلى يوم يبعثون.
9- ما كانت خديجة لتأتي بخداج-ناقص- ولا الزهراء إلا لتلد أزاهر كالسراج، مثل النحلة لا تأكل إلا طيبا، ولا تضع إلا طيبا.
10- وعندما نزل الوحي..طفقت بحكم الإجلال تمسح أركانه، ومازالت حتى أزالت به الغمة، وقالت إني لأرجو أن تكون نبي الأمة.. وما لبثت أن غلقت أبوابها، وجمعت عليها أثوابها، وانطلقت إلى ورقة بن نوفل، تطالبه بتفسير ذلك المجمل..فاستبشرت به ناموسا، وأخبر أنه الذي كان يأتي موسى، فازدادت إيمانا، وأقامت على ذلك زمانا..سبقت لها من الله تعالى الحسنى، فصنعت حسنا وقالت حسنا..دانت بالحق دين الإسلام، فحياها الملك بالسلام من الملك السلام..يسرت لاحتمال الأذى والنصب، فبشرت بيت من قصب..مكثت للرسالة مواسية وآسية، فثلثت في بحبوحة الجنة مريم وآسية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *