ما أجملها من مواقف تجعلها المرأة نبراساً لها يضيء لها الطريق في سيرها إلى الله، مواقف صادقة من تلك النساء نحتها التاريخ في جبين الدهر لتبقى شاهدة على صدق تلك النوايا.
ونحن في سيرنا في هذا الطريق كم نحتاج إلى قدوات نجعلهن نجوماً نهتدي بها في سماء دعوتنا ليُنيروا لنا الدرب قدوات تربين في مدرسة الدعوة وتعرفن على جوانبها فعرفنها وسرن بخطىً واثقة.
فهذه جملة من سير هؤلاء النساء لنسير بسيرهن ونحتذي بحذوهن.
تطمين الزوج وتثبيته في طريق دعوته
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
أُخيتي:
إن من أروع الأمثلة التي ضربت في مواقف النساء هو موقف خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم حينما وقفت مع أعظم الدعاة وإمامهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم في أول بداية الدعوة حين نزول الوحي ذاك الأمر الجديد على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولتتأملي كيف كان تطمينُها للنبي صلى الله عليه وسلم حين جاء فزعاً يرجف فؤاده وليكن هو موقفك مع زوجك في تطمينه في دعوته وتثبيته على طول هذا الطريق فالرجل يحتاج إلى من يكون عوناً له من أهل بيته وإليكِ هذا الخبر:
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (..فرجع إلى خديجة يرجف فؤاده فدخل فقال: زملوني زملوني، فزمل فلما سري عنه قال: يا خديجة لقد أشفقت على نفسي بلاء، لقد أشفقت على نفسي بلاء، قالت خديجة: أبشِر فو الله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصدق الحديث، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرئُ الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت بي خديجة إلى ورقة بن نوفل بن أسد وكان رجلا ًقد تنصر شيخاً أعمى يقرأ الإنجيل بالعربية فقالت له خديجة: أي عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي رأى من ذلك، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، يا ليتني أكون حيًا حين يخرجك قومك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل بمثل ما جئت به قط إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا) البخاري ومسلم.
عجباً لهذا الموقف من هذه المرأة كيف استطاعت تطمين زوجها وتهدئته والتخفيف عنه حينما ذّكرته بلطف الله عز وجل، ثم ذّكرته بصفاته الحسنة، ثم بذهابها به إلى من هو أعلم بمثل هذه الأمور وهو ورقة بن نوفل وهو من أحبار النصارى وابن عمٍ لخديجة رضي الله عنها.
هكذا فليكن صبر الداعية مع زوجها من أهل الدعوة إذا ابتلي
زوجة نبي الله أيوب عليه السلام
أُخيتي:
وأنت تقرئين هذا المقطع تأملي ملياً كيف كان تحمل هذه المرأة وصبرها بعدما كانت من الغنى والنعيم وكيف صبرت على هذه الحال ليس يوماً ولا شهراً ولا سنة بل عدة سنوات تلك هي صفات من تربت في بيت نبوة وحقاً إنه صبر على حالة قد تأنف منها النفوس إلا النفوس الكبار فتأملي:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقولان غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان، فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق، قال: وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضى حاجته أمسكته امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحي إلى أيوب أن “ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ” فاستبطأته، فتلقته تنظر وقد أقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، والله على ذلك ما رأيت أشبه منك إذ كان صحيحا، فقال: فإني أنا هو: وكان له أندران أي (بيدران: بَيْدَرَ الطعامَ بَيْدَرَةً كوَّمهُ)) أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض) صححه الألباني السلسلة الصحيحة .17
حقاً إنه من أروع أمثلة الصبر حيث صبرت على النبي المبتلى لأنها عاشت معه سنوات من أجمل سنوات العمر فلم تنسها لما كان في أحوج ما يكون إليها وهذا الجزء واضح لهما في نهاية الحديث لما شفاه الله وأبدله بقوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}
تلك مشورة المرأة العاقلة
أم سلمة رضي الله عنها
أُخيتي:
كم يحتاج الرجل إلى زوجة عاقلة راجحة العقل، يسترشد بمشورتها ويستنير برأيها فما أجمل تلك الصفة حينما تكون في المرأة ولن تكون إلا لمن كان همّها وهمتها عالية تناطح السحاب، ولنعش مع هذا الموقف العصيب على النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان حاله بتلك المشورة وبذلك الرأي السديد والصائب من راجحة العقل زوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها.
لما كان يوم الحديبية وقد أحرم النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة ثم رد بعدما تم الاتفاق في بنود المعاهدة على عدم أداء العمرة في هذه السنة..فكان هذا الموقف:
فَقَامَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: “يا أَيُّهَا الناس انْحَرُوا وَاحْلِقُوا قال فما قام أَحَدٌ، قال: ثُمَّ عَادَ بِمِثْلِهَا فما قام رَجُلٌ حتى عَادَ بِمِثْلِهَا فما قام رَجُلٌ، فَرَجَعَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ على أُمِّ سَلَمَةَ فقال: يا أُمَّ سَلَمَةَ ما شَأْنُ النَّاس قالت: يا رَسُولَ اللَّهِ قد دَخَلَهُمْ ما قد رَأَيْتَ فَلاَ تُكَلِّمَنَّ منهم إِنْسَاناً وَاعْمِدْ إلى هَدْيِكَ حَيْثُ كان فَانْحَرْهُ وَاحْلِقْ، فَلَوْ قد فَعَلْتَ ذلك فَعَلَ الناس ذلك فَخَرَجَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُكَلِّمُ أحد حتى أتى هَدْيَهُ فَنَحَرَهُ ثُمَّ جَلَسَ فَحَلَقَ فَقَامَ الناس يَنْحَرُونَ وَيَحْلِقُونَ..)
نِعم المشورة من أم سلمة رضي الله عنها للقائد صلى الله عليه وسلم فقد أصابت مشورتها، وعالج بها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقف، وهذا يذكرنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما خاب من استخار ولا ندم من استشار) والمستشار مؤتمن فلم يخب في مشورته وما استشارها صلى الله عليه وسلم إلا لمعرفته برجحان عقلها فالمرأة الداعية من أكثر من يستشار في واقع النساء لأنها عاقلة ومتعلمة فلتكن استشارتنا صائبة ومشوراتنا صادقة.