طريق آمن عرفه الصالحون

دروب الحياة متفرقة، وساعات الراحة فيها معدودة، والسائر فيها يتلمس خطواته حتى لا يقع في منحدر أو منزلق من المزالق، وطريق العفة والحياء والستر طريق آمن عرفه الصالحون فلا تستوحشي الطريق يا أختاه، فأنت لستِ الوحيدة التي سارت هذا الطريق وسلكته، فمن قبلك أناس كثيرون رجالاً ونساء قد ساروا عليه، فلم تضرهم غربتهم ولم تزعجهم صيحات المثبطين، بل كانوا مصابيح تنير ظلام الدنيا، عرفوا لذة الطاعة فلم يقارنوها بلذة ساعة كانت في معصية الله، ملؤوا قلوبهم بالإيمان، وعوَّدوا أنفسهم على طاعة الرحمن، وشاركوا إخوانهم في كل ميدان.
لقد ذكر القرآن الكريم عفَّة يوسف عليه السلام ذلك الفتى الذي توفرت فيه كل الشروط من شباب وحيوية وقوة، وفي مقابل ذلك امرأة العزيز: جمال، ومنصب، وإغراء، فما الذي منع يوسف عليه السلام من تلبية الرغبة والجري وراء هوى النفس وشهواتها؟
لقد كانت عفة يوسف عليه السلام عفة مستوفية كل شروطها وأركانها، كانت من أعظم أمثلة العفة في تاريخ الإنسان. ففي يوسف الحيوية والشباب والدافع القوي، وفي امرأة العزيز الإثارة بكل أبعادها، مع خلوة تامة، وتهديد إن لم يستجب، ومع استيفاء كل هذه العوامل القوية تبرز فضيلة العفة في يوسف عليه السلام فيضبط نفسه بصبر منقطع النظير، ويقاوم الدوافع والمغريات بإصرار وعزيمة قوية ترفعاً عن السقوط، وطلباً لمرضاة الله، فينتصر خلقه العظيم في معركة الدوافع والمغريات والتهديدات.
وقد عرض القرآن قصة يوسف أروع عرض يبرز قوة الإيمان عنده، وقوة الضبط الخلقي الذي جعله عليه السلام يكفّ عما لا يحل له، ويعطي أروع أمثلة العفة”(2).
هذا نموذج ومثل من أعظم أمثلة العفة في تاريخ الإنسان، وها هي عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها تقول: “نِعْمَ النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين”(3)، امتدحت فيهن حياءهن وحرصهن على طلب العلم والتفقه فيه، كيف لا وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها واحدة ممن شاركن في شتى العلوم والآداب، فهي “حاملة لواء العلم والعرفان في عصرها، والنبراس المنير الذي يضيء على أهل العلم وطلابه، وكان يأتيها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن عَويص العلم ومُشكله، فتجيبهم جواباً مشبَعاً بروح التروي والتحقيق مما لا يتسنى إلا لمن بلغ في العلم مقاماً علياً”(4).
فهل منعها هذا من الحياء والستر؟
لا والله!
فقد كانت رضي الله عنها “شديدة الحياء حتى كانت تدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهي واضعة ثوبها وتقول: إنما زوجي وأبي، فلما دفن عمر بن الخطاب فكانت لا تدخله إلا مشدودة عليها ثيابها حياءاً من عمر”.
فليكن يا أُخية طريق السائرين على الهدى طريقك ونور الإيمان ينير دربك، واقتفي أثر من قـَبلَك ولا تستوحشي الطريق، فلَكِ في نساء السلف الصالح أسوة وقدوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأخلاق للميداني 2/ 562.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) أعلام النساء، 3/104-125.
(4) أعلام النساء، 3/104-125.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *