إن عوامل نجاح الزواج كما بينتها نصوص القرآن والسنة لا تقتصر على جانب (العشرة الزوجية) التي تحدثنا عنها طيلة المقالات الثلاثة المتقدمة (الأعداد 26، 27، و28)، ولكن ثمة جوانب أخرى للعناية بها -ببنائها على توجيهات القرآن الكريم والسنة المشرفة- دور مهم في النجاح المذكور ..
وجماع ذلك: {تحري الحلال والمشروع واتقاء المحرم والممنوع}؛ وهذا في كل مراحل الزواج وخطواته؛ بدء بوليمة العرس التي آل العرف فيها إلى منكر عظيم، وانتهاء بإجراءات الفراق التي صارت إلى مرتع وخيم، مرورا بأحكام العقد، وآداب العشرة، وأنواع المعاملة، وتدبير البيت، وتربية الأولاد، وغير ذلك.
وليمة العرس
أما وليمة العرس فمعناها الاجتماع الذي يكون بسبب النكاح.
ولهذا النوع من الاجتماع في ديننا أحكام وآداب لا بد لمن أراد بناء زواجه على أساس من الحلال أن يعتني بها لتكون انطلاقة مباركة لزواجه، وخطوة صائبة في هذا الطريق الطويل الحافل بالأحداث.
حكمها
وهي واجبة على الراجح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: “أولم ولو بشاة” [متفق عليه]، وقوله لعلي لما خطب فاطمة: “لا بد للعرس من وليمة” [رواه أحمد وقال ابن حجر: إسناده لا بأس به].
والوجوب إنما هو على الزوج دون الزوجة؛ كما هو ظاهر الحديثين السابقين.
والسنة أن تكون عند الدخول أو بعده.
نفقة الوليمة
قال العلماء: الوليمة من النفقة الراجعة إلى العرف؛ فتسن بما يقتضيه العرف، للموسع قدره وللمقتر قدره، بشرط أن لا تصل إلى حد الإسراف أو المباهاة أو التكلف، وقد صح عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: “نهينا عن التكلف”.
ولا يتنافى مع هذا أن يقدم للناس نوعين أو أكثر من الطعام، فقد جرى بذلك العرف، وليس فيه ما يتعارض مع الشرع مادام الشرط المذكور متوفرا.
آداب الداعي
ويدعو إلى وليمته الصالحين دون الفجار؛ لقوله عليه السلام: “لا يأكل طعامك إلا تقي”. [رواه أبو داود والحاكم وصححه].
قال العلماء: إنما جاء هذا في طعام الدعوة دون طعام الحاجة.
فإن دعا فاجرا قصد تألفه وهدايته وغلب على ظنه تحقق ذلك أو بعضه فعسى أن يكون ذلك مشروعا.
وليستحضر نية القربة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه”، وقال: “إنما الأعمال بالنية”. [متفق عليهما].
ويحرم على صاحب الوليمة أن يقتصر في دعوته على الأغنياء ويقصي الفقراء؛ لما ثبت في صحيح مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: “شرُّ الطعام طعام الوليمة؛ يدعى لها الأغنياء ويمنعها المساكين”. [متفق عليه].
وقد تفشت هذه المخالفة بسبب انتشار السلوك المادي، الذي يجعل صاحبه يصدر عن الطمع في ما يجني من دعوته من المقابل المادي، فيدعو من يغلب على ظنه أنه يحقق له شيئا من ذلك.
فإذا عمم الدعوة انتفت الشَّريَّة.
ولا بأس بما اعتاده الناس من إرسال بطاقات دعوة؛ شريطة خلوها من المحظور.
آداب المدعو
ومَن دُعي إلى وليمة العرس وجبت عليه الاستجابة لما في الصحيحين من حديث ابن عمر مرفوعا: “إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها”.
والظاهر أن الوجوب ينسحب على كل دعوة ولو لم تختص بوليمة العرس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا دعا أحدكم أخاه فليجب؛ عرسا كان أو نحوه”. [رواه مسلم].
وهذا الوجوب مقيد بشروط ثلاثة:
1- أن يكون الداعي مسلما:
فإن كان كافرا جازت الإجابة ولم تجب.
2- أن يكون ممن يحرم هجره:
فإذا كان هجره واجبا، كان الامتناع من الإجابة من الهجر المشروع.
3- أن لا يكون فيها منكر:
لما رواه ابن ماجه بسند صحيح عن علي رضي الله عنه قال: “صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع”.
وإذا كان المدعو صائما أجاب الدعوة، ودعا لأهل الوليمة؛ لما ثبت في صحيح مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل”.
فإذا كان صومه نفلا شرع له الإفطار إن شاء، ولا يجب عليه القضاء:
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: “صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأتاني هو وأصحابه، فقال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعاكم أخوكم وتكلف لكم، أفطر وصم مكانه يوما إن شئت”.[أخرجه النسائي].
ويشرع للمدعو أن يدعو للعريس بقوله: “بارك الله لك، وبارك عليك وجمع بينكما في خير”؛ فإنه كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف حين رفأه.
أما قول المدعو للعريس: بالرفاء والبنين، فمنهي عنه في السنة.
ويحرم على المرء أن يحضر الوليمة بدون دعوة، وهو التطفل، ويقال لفاعله طفيلي:
قال ابن كثير في تفسير قول الله تعالى: “إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه”؛ وهذا دليل على تحريم التطفيل، وهو الذي تسميه العرب الضيفن، وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتابا في ذم الطفيليين”.
ومن آدابه عدم الإثقال على المضيف بطول المكث ونحوه؛ قال الله تعالى: “فإذا طعمتم فانتشروا”، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لو دعيت إلى ذراع لأجبت، فإذا فرغتم من الذي دعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل” [رواه مسلم].
أما إذا كان الجلوس بعد الطعام لا يثقل على أهل البيت ورضوا به فلا بأس به.
ولا يجوز للمدعو أن يصطحب شيئا من الطعام المقدم له لأنه قدم له على وجه الإباحة، لا على وجه التمليك، كما يشير إلى ذلك قول الله تعالى: فإذا طعمتم فانتشروا” قال القرطبي: “في هذه الآية دليل على أن الضيف يأكل على ملك المضيف، لا على ملك نفسه، لأنه تعالى قال: “فإذا طعمتم فانتشروا”؛ فلم يجعل له أكثر من الأكل ولا أضاف إليه سواه، وبقي الملك على أصله”.