..علماء النفس وزعماء الإصلاح والاجتماع يقررون أن العاطفة الدينية إذا انغرست في نفس الشباب كانت خير موجه لغرائزه وأفضل ملطف لحدة عواطفه.
“المرأة مدرسة وهي مربية الأجيال، فإن انهارت أخلاقها، وشذّ سلوكها انهارت من ورائها الأمة وانحطت الأخلاق، وفسد المجتمع، وضاعت الفضائل، وانحلت الأسرة، وعمَّت الفوضى، وانتشرت الفتن”(1) وما من شك في أن مصدر انهيار الأخلاق وانهيار الأمة ناتج عن ضعف متولد من أفراد المجتمع، والمرأة جزء من ذلك المجتمع.
لقد حوَّل أعداء الإسلام المجتمع إلى ملهاة كبرى، فإلى جانب “جنون الموضة” و”جنون الأزياء” (التبرج) أوجدوا جنون وسائل الإعلام أرضيَّةً وفضائية وما فيها من اللهو العابث الذي لا يليق بالبشر الأسوياء، ولا ينغمس فيها إنسان يعي حقيقة مسؤوليته، ويدرك غاية الوجود البشري في الأرض، وماذا كانت النتيجة؟
تحطمت الأسرة إلا مَنْ رحم الله، وبدأت الفتاة تنفر من حجابها وسترها، وأصبح سماع الشكوى من الحجاب وأنه تخلف وتقييد للحريات شيئاً معلناً من بعضهن، وبدأت بعض المغررات بهنّ في البحث والتطلع لاختيار الخلّ والصديق بحجة التعرف على العالم من حولها.
“إذا لم تستح فاصنع ما شئت”
وإلى جانب هذه الثغرة ثغرة أخرى تقويها وتدعمها: إنه ذلك الرجل الذي لا يملك من معاني الرجولة إلا الشكل والمظهر، ذاك الذي حُرِمَ الغيرة على أهله، فهو لا يستقبح الذنب ولا يبغضه، ويقر المنكر في أهله. لقد أصبحنا نراه بأشكال متعددة إما مع امرأة سافرة متبرجة أو عليها مسمى الحجاب بكامل زينتها يمازحها أمام الرجال، وآخر يطلب منها أن تنزع حجابها، لأنها في وسطٍ ينكر ما ترتديه، وآخر يشاركها في أماكن اللهو والعبث كالمراقص والشواطئ..، بل هناك من لا يتحرج في جلوس أهله إلى جانبه لمشاهدة منظر فاحش؛ فأين هذا من غيرة سعد بن عبادة، فعن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفِح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “تعجبون من غيرة سعد، والله! لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنة”(2).
هكذا يا أختي أحدثنا في أمتنا ثغرة تلو ثغرة، توهنها وتضعفها وترد النصر عنها، ومتى يكون النصر لأمتنا؟!
إنه لن يكون إلا بالرجوع إلى الله وامتثال أمره واجتناب نهيه.
العفة والحياء والستر متى وجدا في أمة كان لها العزة والنصر
إن صلاح المرأة واستقامتها سبب في صلاح الأمة التي يتحقق لها النصر والتمكين من الله جل جلاله، فلا تغترِّي ولا تري نفسك في منأى عن الفتن، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء، والغرور عامل من عوامل الانتكاس والفتنة، قال ابن مسعود رضي الله عنه كلمة تحمل معاني عظيمة لمن تدبرها وفقه معناها: “اقتدوا بمن مات، فإن الأحياء لا تؤمَنُ عليهم الفتنة”.
فانظري إلى أي مدى كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يضمن أحدهم الاستمرار على هذا الطريق، وكيف أن الواحد منهم لا يرى الاقتداء بالأحياء، لأنهم ليسوا بمنأى عن الفتن”(3) عليكِ بالصبر والمجاهدة وترويض النفس على الطاعة ومخالفة هواها “واعلمي أن رياضة النفس أصعب من رياضة الأُسْد، لأن الأُسْد إذا سُجنت في البيوت التي تتخذها الملوك أُمن شرها، والنفس وإن سجنت لم يؤمَن شرها”(4)، لأن النفس إن لم تَعْتَدِ الحياءَ والستر والعفة كانت قنبلة تجلب الدمار، وتخرب الديار، وتحول كل شيء جميل إلى شيء بشع يمثل الخسة والدناءة وكل ما ينافي أطيب الأخلاق وأجملها.
فلتحرص المسلمة على تعميق العاطفة الدينية والإيمان بالله لما لهما من دور في ردع النفس ومحاسبتها، فالشباب مجموعة من الغرائز المتحفزة والعواطف المشبوبة والمشاعر الملتهبة، وإن هذه المجموعة أشبه بقوة أسدية إن لم نحسن توجيهها وتهذيبها انقلبت بغياً وعدواناً، ولا يمكن تهذيب هذه الغرائز الملتهبة للوثوب والجموح إلا بتركيز العاطفة الدينية، وتوطيد الوازع الخلقي، فعلماء النفس وزعماء الإصلاح والاجتماع يقررون أن العاطفة الدينية إذا انغرست في نفس الشباب كانت خير موجه لغرائزه وأفضل ملطف لحدة عواطفه.
ومن الأمثلة على الإيمان وأهميته في النفس وأنه يدفع الإنسان إلى عدم الوقوع في الحرام قصة مرثد مع عناق، فـعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال:
كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلاً يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق، وكانت صديقة له في الجاهلية وأنه وعد رجلاً من أسارى مكة بحمله وقال: فجاءت عناق، فأبصرت سواد رجل تحت حائط، فلما انتهت إليَّ عرفتني، فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد، فقالت: مرحباً وأهلاً، هَلُمَّ بِتْ عندنا الليلة. قال: قلت: يا عناق، حرم الله الزنا”(5) فها هو إيمان مرثد لم يجرَّه إلى ارتكاب الحرام رغم وجود الفرصة، ورغم أنه كان يحبها حباً شديداً، ولكن كان للإيمان دور في صدره وعدم وقوعه فيما حرم الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المناهج البهية بتصرف، 1/352 .
(2) البخاري ومسلم.
(3) من أخبار المتنسكين، صالح العصيمي، 13 .
(4) الأخلاق والسير في مداواة النفس، 73 .
(5) الترمذي، عارضة الأحوذي بشرح الترمذي.