يلاحظ المتأمل في النشاط النسوي الجمعوي ببلادنا هيمنة التوجه العلماني الذي أضحى يتمتع بنفوذ كبير مكنه من الضغط على جهات معنية باتخاذ القرار في مجالات هامة وحساسة، بل إن هذا التوجه تسلل إلى بعض مراكز القرار واجتهد في فرض رأيه على الأمة المغربية.
والمتأمل في أداء هذه الجمعيات يلاحظ بوضوح أنها تسعى لتطبيق برنامج يُملى عليها أكثر من كونها تهتم بعلاج مشاكل المرأة المغربية.
ولا شك أن من وراء هذا العمل الدؤوب لتطبيق المشروع الغربي المتعلق بالمرأة مصالح وأهدافا انكشف بعضها بعد فضيحة عدد من تلك الجمعيات التي اتهمت بالتلاعب في تمويلات الأمم المتحدة؛ وقد أكدت عضوات في بعض الجمعيات فضلن عدم ذكر أسمائهن، أن الاتهامات التي تشكك في مصداقية العمل الجمعوي، تعكس واقع هذه الجمعيات، التي اعتبرتها جمعيات مصلحية نخبوية تسعى إلى استقطاب أسماء نسائية وازنة، لتدعيم نفوذها، بالإضافة إلى أن الهدف الأساسي الذي خلقت من أجله، لم يعد يشكل محطة اهتمام العديد من الجمعيات، التي أصبحت تعيش صراعات داخلية ومشاكل قوية بحثا عن مد نفوذهن، كما أضفن أنهن بعيدات كل البعد عن مشاكل المرأة المغربية التي تعاني من الفقر والعنف والتهميش، لأن خطاباتهن وشعاراتهن لا تتعدى مرافق الفنادق المصنفة، والندوات التي تقام بأموال طائلة، حبذا لو استثمرت في مشاريع تنموية..” [مجلة مغرب اليوم/ ع8].
ولا بد للباحث المنصف هنا أن يتساءل عن سبب هذا الحرص الشديد من طرف هيئة الأمم المتحدة لتمويل هذه الجمعيات بسخاء غريب أدى إلى تضاعف عدد هذه الجمعيات والحركات في ظرف وجيز؟
ولا أظن أن عاقلا يصدق أن منشأ هذا الكرم الحاتمي هو الشفقة والرحمة بالمرأة المغربية المسلمة، كما لا أظن أن العاقل المنصف سيتيه كثيرا في معرفة السبب الحقيقي وراء ذلك الكرم؛ ألا وهو ترسيخ القناعات الغربية في قضية المرأة في أفق عولمة اجتماعية تحقق للقوم مصالح متنوعة.
وإلا فلو كانوا يشفقون حقا لحال المسلمات المُعانيات؛ لبادروا إلى حل مشكلة المرأة الفلسطينية، وتخليصها من ظلم واضطهاد يهود؟!
ولأوقفوا عاجلا وابل القنابل الذي صبه الصهاينة على رؤوس نساء وأطفال غزة ما يزيد على عشرين يوما!!
ومثل هذا يقال في المرأة العراقية والصومالية وغيرهما من النساء ضحايا صراعات سياسية، تتسبب فيها هذه الدول نفسها؟!
بل المغرب نفسه تعاني فيه كثيرات كما سيأتي بيانه، ومع هذا لا يهتم القوم من ذلك إلا بما يخدم مشروعهم ومصالحهم.
.. تساؤلات تطرح نفسها، وتجعل المنصف في شك كبير من سلامة نوايا القوم، كما تجعله يرى في موقفهم تدخلا لفرض قناعاتهم من أجل بلوغ مصالحهم أكثر من كونه يخدم صالح المرأة.
وإدراكنا لهذا الخلل الجذري في طبيعة الأداء النسوي الجمعوي العَلماني يفسر لنا بجلاء أحد أهم أسباب ضعفه وهزاله سيما حين نستحضر حجم الدعم الكبير الذي يُوفَّر له!!
وهذه لمحة مقتضبة لإثبات هزالة الأداء المذكور وفشله في إصلاح حال المرأة المغربية:
استمرار شبح الأمية
يشكل التعليم أهم عناصر التنمية، وأول خطواته تعليم القراءة والكتابة، ولا زالت هذه الخطوة متعثرة في صفوف النساء المغربيات اللواتي تتجاوز نسبة الأمية بينهن في المدار الحضري 40 في المائة، فيما تتجاوز 60 في المائة في البوادي، ولا يخفى على متتبع الرتبة المخزية التي احتلها المغرب في مجال التعليم عموما!
ارتفاع نسبة العنف ضد النساء
فقد أكدت الدراسات والأبحاث ارتفاع نسبة هذا العنف -في المحيط الأسري وخارجه- بكل أشكاله: من ضرب وإهانة وتحرش جنسي واغتصاب وغير ذلك، ومن أراد الوقوف على حقيقة الأمر فليقم بزيارة لأحد مراكز استقبال النساء ضحايا العنف.
التحرش الجنسي
وقد ارتفعت نسبته بشكل كبير، وتفشى في وسط القاصرات عن طريق تسلط ذكوري وحشي، بعضه يتم بشكل عشوائي وبعضه يخضع لمخططات إرهابية يسعى واضعوها لتوفير (المتعة بالقاصرات) عن طريق استقطابهن من المدارس وغيرها في مقابل أثمان باهظة، واسأل عددا من (الرياضات) و(الإقامات) بمراكش عن ذلك!
تفشي ظاهرتي الإجهاض والقاصرات الحاملات من الزنا
حسب تقرير نشر مؤخرا في بعض الصحف؛ هناك تقريبا 1000 حالة حمل غير مرغوب فيه يوميا، وهناك 500 إلى 600 حالة تجهض بشكل يومي من طرف أطباء متخصصين وغير متخصصين، أو من خلال تناول الأعشاب المسهلة لذلك، أو استعمال أدوات حادة أو تناول جرعات زائدة من الأدوية، و150 إلى 250 إجهاض غير طبي، و50 إلى 100 حالة تتابع الحمل، وهو الرقم الذي كشف عنه الدكتور شفيق الشرايبي، الاختصاصي في أمراض وجراحة النساء وعلاج العقم ورئيس مصلحة الولادة بمستشفى الليمون بالرباط أخيرا.
وفي هذا الخضم؛ استفحلت ظاهرة القاصرات الحاملات من الزنا (الأمهات العازبات!) بشكل مروع..
الانحراف السلوكي الحاد
وقد اشتكت منه مؤسسات التعليم التي يفترض أن تسلم بيئاتها من هذا الداء، فكيف بغيرها؟! وكيف لا تشتكي وقد عجت جنباتها بمشاهد لمدخنات على الملأ، أو معاقرات للخمور، أو عاهرات تتراوح أعمارهن بين التاسعة والثامنة عشر، أو وسيطات للسياحة الجنسية..، واللائحة تطول.
ولا يخفى على متتبع ما تضمنه تقرير 2008 للمنظمة الإفريقية لمحاربة السيدا، الذي نص على أن السن الذي تبدأ فيه بعض الفتيات امتهان الدعارة في المغرب هو ست سنوات!!
وأن أكثر الأسواق استقطابا لتجارة الدعارة هي تلك المتوفرة على فتيات تتراوح أعمارهن بين: 9 و13 سنة!
ومع هذه الكوارث كلها تطلع علينا حكيمة حميش رئيسة الجمعية المغربية لمحاربة السيدا بكلام خطير يكرس الداء؛ كقولها في حوار أجرته معها مجلة (le soir) مؤخرا: “لو أتيحت لي إمكانية توزيع العازل الطبي في الثانويات لفعلت ذلك”!
وفي نفس الحوار تقول: “التزام العفة إلى حين الزواج ليس حلا واقعيا من وجهة نظري”!!!
الحرمان والاستغلال المادي البشع
الذي تتزايد ضحاياه يوما بعد يوم؛ فمن أرباب أعمال يستغلون العنصر النسوي بأبخس الأثمان، (وكثيرا ما تؤدي المرأة ضريبة قاسية لتمكينها من ذلك العمل)، إلى تجار جنس يتاجرون بفروج النساء، إلى نساء البوادي ضحايا الفقر المدقع والتهميش المفجع، إلى النساء العاملات اللواتي يزج بهن في أسواق المهانة خارج المغرب (إسبانيا نموذجا)، إلى مغررات بهن توظف أجسادهن في الإعلانات التجارية بشكل مقيت … واللائحة تطول.
تردي الواقع الأسري
الذي يستمر فيه العزوف عن الزواج البناء، مع انتشار الزيجات المنحرفة، وقد ساعد هذا على استفحال ظاهرة العنوسة بوتيرة رهيبة؛ حيث ذكر التقرير الذي أعدته المندوبية السامية للتخطيط بمناسبة اليوم الوطني للمرأة (2008): أن السن الأول للزواج عند النساء انتقل إلى 27 سنة عام 2007، بعد أن كان 23 سنة عام 1987، أما العزوبة في صفوف ذوات الأربع والعشرين فقد بلغت أزيد من 65 في المائة، و43 في المائة عند من سنهن بين 25 و29.
كما وضح التقرير أن 51 في المائة من النساء المغربيات يعشن لوحدهن، 55.9 منهن تتجاوز أعمارهن 60 سنة!
أما الطلاق فارتفعت نسبته في اعهد لمدونة الجديدة إلى 80% حسب إحصائيات لوزارة العدل، وكيف لا ترتفع وقد قطع حب الفواحش أوصال المودة الزوجية، وغُيِّبت معاني الرحمة في أوحال الأطماع المادية الدنية؟!
فأين هو الإصلاح؟
وأين هي التنمية؟
وإلى متى تضحك الجمعيات العلمانية على نفسها وعلى الناس حين توهم أنها حققت نجاحا في نضالها حين حاصرت – نظريا وليس عمليا- ظاهرة التعدد وطلاق الرجل وقوامته..، أو حين تظن أنها أنجزت بطولة حين استطاعت المطالبة بتغيير قانون الإرث؟؟!!!
أين الخلل؟
مكمنه باختصار في:
1- تحجيم دور الشريعة الإسلامية في مقابل تضخيم تبني المرجعية الأممية.
2- التركيز على البعد القانوني مع تهميش الجانبين التربوي والإيماني.