عمر اليوم ينصرف
قال رجل اسمه عمر لعلي بن سليمان الأخفش: علمني مسألة من النحو.
قال: تعلّم، أن اسمك لا ينصرف.
فأتاه يوما، وهو في مشغل.
فقال: من بالباب؟ قال: عمر.
قال: عمر اليوم ينصرف.
قال: أوليس قد زعمت أنه لا ينصرف؟
قال: ذاك إذا كان معرفة، وهو الآن نكرة.
ما الفرق بينها؟
قال رجل لآخر: قد أحكمت النحو كله إلا ثلاث لفظات أشكلت علي.
قال: ما هي؟ قال: أبا فلان، وأبو فلان، وأبي فلان، ما الفرق بينها؟
قال له صاحبه: أما أبو فلان فللملوك والأمراء والقضاة والحكام،
وأما أبا فلان فللتجار وأرباب الأموال والوسط من الناس،
وأما أبي فلان فللسفلة والأسقاط والأوباش من الناس!
القلم
قال أحدهم ملغزا في القلم:
وأجوف يمشي على رأسه *** يطير حثيثا على أملس
فهـمت بآثاره مـا مضــى *** وما هـو آت ولم يَلْبـِسِ
قفل
وأسود عار أنحل البـرد جســمه *** وما زال من أوصافه الحرص والمنع
وأعجب شيء أنه الدهر حارس *** وليــس لــه عيــن وليـس لـــه سـمـــع
قل له يدخل!
روي عن أشعب أنه قال له بعض إخوانه: لو صرت إلى العشية تتفرج!
قال: أخاف أن يجيء ثقيل.
قلت: ليس معنا ثالث. فمضى معي، فلما صلينا الظهر ودعوت بالطعام، فإذا بداق يدق الباب.
قال: ترى أن قد صرنا إلى ما نكره،
قلت له: إنه صديق، وفيه عشر خصال إن كرهت واحدة منهن لم آذن له.
قال: هات.
قلت: أولها أنه لا يأكل ولا يشرب.
فقال: التسع لك! قل له يدخل!
معلم يعلم ديكا!
قال الجاحظ: مررت بمعلم، وهو قد حبس ديكا، وهو يضربه، ويقول له: ألف شين، ألف شين.
فقلت له: ما هذا؟
فقال: أعزك الله، انظر إلى تلك المزبلة، وأشار إلى مزبلة أمام مكتبه.
فقال: أنا أنصب فخاخا لصيد العصافير، فيأتي هذا الديك فيلتقط الحب الذي اجعله لها، فأقول له: “أش” فلا يفهمني، فقلت لعله لا يعلم، وأردت أن أعلمه حتى يفهمني!
انصرفوا اليوم وتعالوا غدا
قال غلام للصبيان: هل لكم أن يفلتنا الشيخ اليوم؟
قالوا: نعم. قال: تعالوا لنشهد عليه أنه مريض.
فجاء واحد منهم فقال: أراك ضعيفا جدا وأظنك ستحم، فلو مضيت إلى منزلك واسترحت.
فقال لأحدهم: يا فلان، يزعم أني عليل،
فقال: صدق والله، وهل يخفى هذا على جميع الغلمان إن سألتهم أخبروك.
فسألهم فشهدوا. فقال لهم: انصرفوا اليوم وتعالوا غدا!
فهو لص!
سمع كسرى الشاعر الأعشى يتغنى بهذا البيت:
أرقت وما هذا السهاد المؤرق وما بي من سقم، ولا بي تعشق
فقال كسرى: ما يقول هذا العربي؟
قالوا: يتغنى.
قال: بماذا؟
فقالوا: زعم أنه سهر من غير مرض ولا عشق.
قال: إذا هو لص.
يتشاءم بالحول!
كان بعض أمراء خرسان يتشاءم بالحول، فمتى رأى أحول ضربه بالسياط، وربما ضرب بعضهم خمسمائة سوط، وحدث مرة أنه ركب قي بعض الأيام، فرأى أحول فأمر بضربه، وكان الأحول جلدا، فلما فرغ من ضربه، قال له: أيها الأمير! أصلحك الله، لم ضربتني؟ قال: لأني أتشاءم بالحول. قال: فأينا أشد شؤما على صاحبه، أنت رأيتني ولم يصبك إلا خير، وأنا رأيتك فضربتني خمسمائة سوط، فأنت إذا أشد شؤما، فاستحيا منه ولم يضرب بعده أحدا.
حكم ومواعظ
بين الكاف والنون
لا تخضعن لمخلوق على طمع *** فإن ذاك مضر منـك بالدين
واسترزق الله مما في خزائنه *** فإنما هي بين الكاف والنون
وجشع النفس ما له شبع
الحرص لؤم ومثله الطمع ما *** اجتمع الحرص قط والورع
من ألف الحرص لم يزل جشعا *** وجشع النفـس ما له شبـع
وارث وموروث
نافس على الخيرات أهل *** العلا فإنما الدنيا أحاديث
كل امرئ في شانه كادح *** فوارث منهم وموروث
الله يعلم حيث يجعل فضـله
يعمى الحسود عن لقاء ربه *** جـهلاً فقلـت له مقالة حـازم
الله يعلم حيث يجعل فضـله *** مني ومنك ومن جميع العالم
قال أبو الدرداء رضي الله عنه
“مالي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون، مالي أراكم تحرصون على ما قد تكفل لكم به ربكم، وتضيعون ما وكلتم به، أنا أعلم بشراركم: هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبرا.. ولا يسمعون القرآن إلا هجرا”.
قال ابن القيم رحمه الله
سبحان الله، في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقحة هامان.
قال بعض السلف
خلق الله الملائكة عقولاً بلا شهوة، وخلق البهائم شهوة بلا عقول، وخلق ابن آدم وركب فيه العقل والشهوة، فمن غلب عقله شهوته التحق بالملائكة، ومن غلبت شهوته عقله التحق بالبهائم.
قال سهل: من اشتغل بالفضول حُرِم الورع.
قال يحيى بن معاذ
القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلم، فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه، حلو.. حامض..عذب..أجاج.. وغير ذلك، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه.
قال مالك بن دينار
إن الأبرار لتغلي قلوبهم بأعمال البر، وإن الفجار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور، والله يرى همومكم، فانظروا ما همومكم رحمكم الله.
قال ابن القيم
كل ما كان في القرآن من مدح للعبد فهو من ثمرة العلم، وكل ما كان فيه من ذم فهو من ثمرة الجهل.
قال الحسن
إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غداً لك فكن في غد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم.
قال الذهبي
إن العلم ليس بكثرة الرواية، ولكنه نور يقذفه الله في القلب، وشرطه الاتباع، والفرار من الهوى والابتداع.
وقال أيضا
ما خلا مجتمع من التغاير والحسد، إلا ما كان في جانب الأنبياء والرسل عليهم السلام.
قيل للشعبي رحمه الله: من أين لك هذا العلم كله؟ قال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الجماد، وبكور كبكور الغراب.
السفاريني
فكل من له مسكة عقل ودربة من فهم يعلم أن فساد العلم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي والهوى على النقل، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه ولا في أمة إلا وفسد أمرها أتم فساد.