تفشي القمار في الوسط النسوي؛ من أين وإلى أين؟! (عمل المرأة والأفق المسدود) حمّاد القباج

الذي يسمع ويقرأ دفاع الجمعيات النسوية العلمانية في بلدنا عن عمل المرأة، ودعوتها إلى التمكين له بصفته من أهم حقوقها التي ينبغي أن تمتع بها، وتساوي فيها الرجل..؛ الذي يسمع هذا الكلام يتوهم أننا نعيش في بلد انعدمت فيه البطالة أو كادت، وتوفرت فيه فرص الشغل لجميع المؤهلين، وارتفعت نسبة الأجور، وعلا مستوى الدخل..!

فحجم تلك الدعوة لا يمكن أن يستساغ إلا في ضوء مثل هذا الواقع الخيالي، الذي بيننا وبينه من البعد كما بين الثرى والثريا.
إن القناعة التي تقضي بضرورة كفاية الرجلِ المرأةَ هَمَّ نفقات العيش؛ تئن تحت وطأة عجز الدولة عن تقليص نسبة البطالة بالشكل المطلوب من جهة، كما تعاني من الرؤية التغريبية الخاطئة القائلة بضرورة عمل المرأة خارج البيت ومساواتها بالرجل في ذلك، وأنها لا تعد فاعلة في التنمية وترقية المجتمع إلا إذا كانت كذلك.
وقد تناولت موضوع عمل المرأة في كتابات تغني عن تناوله مرة أخرى في هذه المقالة، وإنما ذكرته هنا للربط بينه وبين ظاهرة كنا نشتكي من انتشارها بين الذكور، فصارت مشتركة بينهم وبين الإناث: وهي لعب القمار، الذي فتحت أبوابه في مجتمعنا على مصارعها؛ حتى أنفق المغاربة سنة 2006 على صندوق قطاع الرهان: مليارين وستمائة مليون درهم حسب نشرة سنوية لإحدى شركات القمار المغربية!
وكيف لا يصير هذا حالنا مع القمار، وقد شغل الترويج له حيزا كبيرا من إعلامنا المرئي والسمعي والمقروء، وغير خاف أن قناة (دوزيم 2M) تخصص فقرات تروج لهذه الآفة الاجتماعية الخطيرة، التي تدمر عقلية الفرد وتؤدي إلى خراب المجتمع، ولا يرضى بانتشارها عاقل غيور على وطنه.
وإذا كان هذا حال تلك الممارسة؛ فإن الأمر يكون أبشع وأفظع، حين يتعلق الأمر بالنساء.
أجل؛ لقد صارت مشاهدة نساء وفتيات مدمنات على القمار بكل أشكاله وأنواعه من المشاهد المنتشرة في مجتمعنا.
وهذا الانتشار تراه في صفوف النساء من مختلف الشرائح والأعمار، وإليك بعض الشهادات التي نقلتها إحدى المجلات المغربية:
تقول امرأة تعمل قابضة في حافلة، دخلها 1.800 درهم: “أصبحنا نشترك عدة مرات في شراء ورقة يانصيب وكلنا أمل في الاغتناء وتحقيق مستوى مادي أفضل لأولادنا، فما أتقاضاه في عملي لا يكفيني لإعالتهم، خاصة وأن زوجي لا يسدد نفقات بناته بسبب عوزه وإعاقته”.
قالت: “لن أتوقف عن اللعب وسأظل أنتظر ضربة الحظ التي ستأتي لا محال حتى لو كلفتني بيع أثاث براكتي”!
وتقول طالبة جامعية (السنة الثالثة شعبة اقتصاد): “أعترف أنني مدمنة على شراء أوراق اليانصيب، حيث أقتني 6 أوراق يانصيب من نوع “الكينو” مقابل خمسة دراهم، ولكن لم يحالفني الحظ إلا مرة واحدة، فزت فيها بجائزة، وكانت عبارة عن مبلغ مالي هزيل لا يتعدى 200 درهم، ومع ذلك فأنا لا زلت أبني وأعلق آمالا كثيرة على ورقة اليانصيب. ففي كثير من الأحيان أعتمد في رسم ملامح مستقبلي على ما سأجنيه من أرباح اليانصيب، وأنسى ما أؤمن به من أن تحسين الوضع المالي والاجتماعي لن يتم إلا بالجهد والمثابرة. لكنني لست الوحيدة التي تقبل على ألعاب القمار، ففي الجامعة هناك أعداد كبيرة من الطالبات اللواتي يقترضن إما لشراء أوراق اليانصيب أو للمشاركة في سباق الخيول والكلاب أملا في الفوز بخبطة العمر”!
وإذا أردنا أن نشخص أسباب هذه الظاهرة المرضية، فبإمكاننا إرجاعها إلى الأسباب التالية (وهي متداخلة فيما بينها):

1- غياب التدين وضعفه
ولولا انتشار هذه العلة في مجتمعنا؛ لكانت نصوص القرآن الكريم والسنة المشرفة سدّاً منيعا في وجه تلك السوءات..
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة].
والميسر: القمار.
قال أبو السعود: “ولقد أُكِّد تحريم الخمر والميسر في هذه الآية الكريمة بفنون التأكيد، حيث صُدِّرت الجملة بإنما وقُرِنا بالأصنام والأزلام، وسُمِّيا رجساً من عمل الشيطان تنبيهاً على أن تعاطيَها شرٌّ بحْتٌ، وأَمَر بالاجتناب عن عينهما وجعل ذلك سبباً يرجى عنه الفلاح، فيكون ارتكابهما خَيبة ومَحْقة، ثم قرر ذلك ببيان ما فيهما من المفاسد الدنيوية والدينية المقتضية للتحريم، فقيل: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} وهو إشارة إلى مفاسدهما الدنيوية {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} إشارة إلى مفاسدهما الدينية، وتخصيصُهما بإعادة الذكر وشرح ما فيهما من الوبال للتنبيه على أن المقصود بيانُ حالهما، وذكرُ الأصنام والأزلام للدلالة على أنهما مثلُهما في الحرمة والشرارة” [إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (2/286)].
فلو كان لهذا النص القرآني سلطان على نفوسنا، ووجد مقتضاه سبيلا إلى بنود القانون المهيمن في مجتمعنا، لشكل ذلك أكبر معين على محو تلك الصورة القبيحة من واقعنا البئيس.
2- التعلق الزائد بالدنيا، وحصر المطالب الذاتية في فلكها الضيق
ومعلوم أن حب الدنيا رأس الخطايا، وأنه سبب الصراع المدمر، ولذلك جاءت النصوص الشرعية مبينة قيمة الدنيا عند خالقها سبحانه، وأنها لا تساوي عنده جناح بعوضة، وأنها متاع الغرور، وقد أكد سبحانه حرمة جعلها مبلغ الهم ومناط التنافس، بقوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ، وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف].
وقال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له” [رواه الترمذي وصححه الألباني].
3- الأخطاء الفادحة والمتكررة في تدبير المجال الاقتصادي، وتوزيع الموارد المالية والثروات، واستثمار الطاقات البشرية
وهو ما يفرز آفات اقتصادية واجتماعية كثيرة مضرة بالفرد والمجتمع؛ من مثل: تفشي الفقر، وتدني مستوى الدخل، وارتفاع نسبة البطالة والأمية..، كما يؤدي إلى كثرة الفساد في السلوك الفردي؛ كالزنا ونحوه، وفي الإدارة؛ كالرشوة والمحسوبية.. إلـخ.
ومن ذلك: الظاهرة التي نتحدث عنها.
4- التدبير الخاطئ للقضايا الاجتماعية وعلى رأسها قضية المرأة
هذا التدبير الذي هيمنت عليه الرؤية الغربية بكل انزلاقاتها، والتي منها: اعتبار المرأة عاملا مساويا للرجل في الدخل المادي القومي، وما يؤدي إليه ذلك الاعتبار من إلغاء مقومات الأنوثة وخصوصياتها، وتهميش الأسرة ووظيفتها.
وقد تبنت الجمعيات النسوية اليسارية في المغرب هذه القناعة، ودعت إلى العمل بمقتضاها، ووضع الخطط لترسيخها في المجتمع، بل فرضها على أهله على حين غفلة منهم وجهل بالسبل الأمينة لبناء المجتمع السليم من العاهات، بنسبة كافية لتحقيق عيش هنيء وحياة سعيدة.
ومما أفرزه شيوع تلك القناعة من أصول المفاسد:
1- توسيع دائرة البطالة في المجتمع.
2- الإضرار البليغ بالأسرة والزواج.
3- حمل الرجال على التخلي عن مسؤولياتهم.
4- الزج بالنساء في أوحال التنافس على المال.
بل إن هذا التصور يحمل المرأة على الدخول في صراع من أجل المال؛ إما للمال نفسه، أو لفرض الذات وإثبات الوجود!
فإذا لم توفر من عملها دخلا تحقق به ذلك، وتُؤَمّن به حاجياتها الكثيرة، وصلت إلى الأفق المسدود، فلهثت وراء عمل آخر، وقد تلجأ إلى المتاجرة بجسدها أو عرضها!
وها هي ذي الآن تتوجه إلى القمار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *