برزت تظاهرة “خميسة” على الساحة المغربية عام 1997، بمبادرة وتنظيم من مجلة “citadine” الفرانكفونية ذات التوجه العلماني الصرف المهتمة بشؤون المرأة، (تصدر أيضا باللغة العربية “سيتادين” بلغت أعدادها المنشورة بالعربية خمسة).
ويهدف نشاط هذه التظاهرة إلى تكريم المرأة المغربية والحث على تمتيعها بحقوقها، والدعوة لتفعيل مشاركتها في كافة القطاعات.
وفي هذا السياق؛ يُمنح رمز “خميسة” (الكف) كل سنة؛ لخمس نساء، يتم اختيارهن من ضمن خمس وعشرين مرشحة، بناءً على تصويت يتم عبر “موقع خميسة” ومجلة “سيتادين” وبعض الجرائد الوطنية، وهي العملية التي تواكبها حملة تعلن عن المرشحات وتقدم أعمالهن من خلال “روبورتاجات” موجزة تقدمها القناة الثانية “2M”، والتي درجت على إحياء سهرة صاخبة بالمشاركة مع المجلة المذكورة قصد تكريم النساء الفائزات.
وقد كانت أول دورات هذه التظاهرة بسينما (لانكس) بمدينة الدار البيضاء، وكانت الدورة الأخيرة هذا العام، بقصر المؤتمرات بمراكش..
وهذه المبادرة في الميزان الشرعي؛ منتقدة في خلفياتها ووسائلها، ويمكن إجمال أوجه هذا الانتقاد في خمسة أمور:
الأول: ما اتسمت به من قطع الصلة بديننا كمصدر ومنطلق أساسي في هذا التكريم، وتغييبه كموجه ومؤطر فيه:
ومن حقنا كمغاربة ننتمي إلى بلد مسلم؛ أن نتساءل عن السبب في هذا التغييب، والعلة في تلك المقاطعة؟!
أهي القناعة العلمانية التي تعتبر الدين طقوسا وشعائر لا تتجاوز المسجد، ولا دخل له في الشؤون الأخرى؛ كالقضايا الاجتماعية ومنها: منزلة المرأة؟!
أم أنه الاعتقاد بأن دين الله لم يُوَفّ موضوع تكريم المرأة حقه!!؟
أم أن هذا الموقف يُعد رفضا للقيود الشرعية التي جاء بها في مجال العلاقة بين الرجال والنساء؟!..
وقريب منه:
الوجه الثاني: وهو عدم مراعاة هذا النشاط للأصل الشرعي في التكريم:
والمبيَّن في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات 13).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : “الناس رجلان، بر تقي كريم على ربه، وفاجر شقي هين على ربه” رواه ابن حبان وإسناده صحيح كما في السلسلة الصحيحة 2802.
فهذا المعيار ينبغي أن يكون عند المسلمين هو الأصل في كل تكريم، ثم تبنى عليه باقي أسباب التكريم، من تفوق في المجالات الدينية أو الدنيوية.
ومن هذا الوجه أيضا:
الوجه الثالث: ألا وهو تهميش الدين وقيمه في مجالات التقييم؛ وهي:
الأنشطة الاجتماعية والإنسانية / الإدارة والقطاع العام / الفن والثقافة / العلوم والبحث والتطوير / الرياضة.
فأين هو مجال طلب العلم الشرعي والفقه في الدين، وأين هو مجال الدعوة إلى الله؟!
وأين (خميسة) من تكريم ربة البيت الناجحة التي خدمت المجتمع؛ بتكوين رجال ونساء صالحين؛ يسعون في بناء مجتمعهم وتنميته على أساس متين من الصلاح والاستقامة.
ألسنا بحاجة إلى هذا الصنف من النساء الذي يصنع جيل العز والتمكين؟
ألا يعلم أصحاب (خميسة) أننا أحوج إلى هؤلاء من حاجتنا لنساء قادرات على تسيير الشركات وإدارة القطاعات وإتقان الرياضات..؟!
وليت شعري؛ ما قيمة عمل امرأة ترفع عقيرتها بالغناء، وأخرى تتمايل على خشبة المسرح، وثالثة يتموج بدنها لعرض أزياء؛ أمام عمل يبني المجد ويشق طريق العز والفلاح؟!
ولكنه زمان انقلاب الحقائق، وقديما قال فرعون: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}غافر 26، فأي فساد كان في دعوة موسى عليه السلام؟
الوجه الرابع: عنوان هذا النشاط: “خميسة”:
وهو إشارة إلى عقيدة فاسدة منتشرة بين كثير من المغاربة؛ ألا وهي دفع العين بالكف بأصابعه الخمسة! ويقولون بالدارجة المغربية: (خميسة وخميس)!
وهذا أشر من التميمة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : “من علق تميمة فقد أشرك” صحيح الجامع.
والذي يحفظ من العين: الرقى الشرعية والتعاويذ الثابتة في القرآن والسنة؛ كقولك: “أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامّة”، أما البدع والخرافات فلا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا.
الوجه الخامس: ما يصاحب فعاليات هذا النشاط من تفشي المخالفات الشرعية.
ومن أبرز نماذج ذلك في الإعلام المرئي: ما تراه في برنامج “خميسة” على القناة الثانية “2M”، والذي أذيع هذا العام ليلة الأحد (26 صفر).
فقد كانت أجواؤه موبوءة بالمخالفات الشرعية الكثيرة؛ من تبرج فاحش، وميوعة، واختلاط، وغناء صاخب، ورقص ..إلخ.
ومن أمثلته في الإعلام المقروء: ما يعرض في مجلة “سيتادين”.
فنقول لهذين المنبرين الإعلاميين: ما وزن هذه النصوص في قلوبكم:
قال الله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}الأحزاب 33.
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}الأحزاب 59.
وقال عز وجل: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} (الأحزاب 32).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا” (رواه مسلم).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا”. رواه مسلم.
ويكفي لبيان انحراف هذا التكريم “خميسة” في الميزان الشرعي؛ أن نتأمل في مصدره: “مجلة سيتادين”؛ وأول ما نلاحظه بهذا التأمل؛ أن المجلة تتبنى في عرضها لمحتوياتها؛ الفلسفة اليهودية التي تجعل مفاتن المرأة وجمالها وسيلة لترويج السلع والدعاية للمنتجات وعرض الأزياء، وهو ما تراه في هذه المجلة من خلال صور شبه عارية، لا تراع في خُلق الحياء إلاًّ، ولا في فضيلة الستر ذمة، وفي هذا إهانة مكشوفة للمرأة المغربية، وزج بسمعتها في مستنقع السلوك الإباحي المنحط، هذا السلوك الذي ما فتئت تدعو إليه المجلة، وتشجع عليه بشتى الوسائل؛ وكان من آخر ذلك؛ طرحها لموضوع “غشاء البكارة” في النسخة العربية (العدد 5 لشهر مارس 2007) ، بطريقة تهوِّن أمر الفاحشة في النفوس، وتجعلها مستساغة عند الناس، حيث نقلت المجلة تصريح امرأة فقدت بكارتها إثر ارتكابها لكبيرة الزنا، ننقل مقاطع من هذا التصريح حتى يتضح لنا وللقراء الكرام أي نموذج من النساء تقدمه المنابر العلمانية لبناتنا ونسائنا عندما تحثهن على التحرر والاستمتاع بالحياة.
قالت: “..لم أكترث لأمر البكارة عندما فقدتها، بل كان يوما رائعا، فالبكارة التي تربيت على أساس أنها رمز العفة والطهارة أصبحت في خبر كان، لكن دون إحساس بعذاب الضمير بل كنت مقتنعة أنني لم أذنب في حق أحد..”.
فلينظر القارئ إلى مدى التدني الأخلاقي الذي وصل إليه القوم.
فهذا أصل هذا التكريم المزعوم، وقديما قيل: هل يستقيم الظل والعود أعوج؟!
..إننا إذ نؤكد على أن إكرام المرأة واجب شرعي وهدي نبوي، ثبتا بالنصوص الكثيرة والأحكام الوفيرة؛ إلا أننا نرفض أن يجعل من لازمه التنكر للأحكام الشرعية والآداب المرعية، بل وربما تشويه صورتها، والسخرية منها!
وندعو إلى تكريمٍ ينطلق من ديننا، ويصطبغ بآدابه الشريفة، وينضبط بتوجيهاته المنيفة، تكريمٍ يبني ولا يهدم، ويُصلح ولا يفسد، ويجمع للمرأة المغربية بين صلاح دينها وصلاح دنياها، ويمتعها برضا خالقها، قبل أن يحقق لها رضا الناس عنها وإعجابهم بتفوقها.
وكل تكريم يُغَيّب الدين، ويجعل العَلمانية أساسا له؛ فهو جناية على المرأة، ونبذ لها في أوحال الدنايا المردية، {وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}(آل عمران 185).