العنايةُ النبوية بالمرأة في الخطاب ودِلالاتُها بقلم: حمّاد القبّاج

لقد تعدّدت صور العناية النبوية الكريمة بالمرأة المسلمة؛ ومن ذلك تخصيصها بأنواع من خطاب التكليف.
وأوَدّ في هذا المقال أن أبرز نماذج من ذلك، مع استخلاص ما توحي به من الدلالات المهمة، والإشارات ذات المعاني الجليلة:
في التعليم والإرشاد:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:”قالت النساء:”يا رسول الله غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك”.
فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن”.
وفي رواية: “فَقَالَ: “مَوْعِدكُنَّ بَيْت فُلَانَة”، فَأَتَاهُنَّ فَحَدَّثَهُنَّ”. (رواه البخاري).
في الوعظ والتذكير:
عن جابر بن عبد الله قال: “شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال، فأمر بتقوى الله وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم.
ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذَكّرهُنّ”. (متفق عليه).
في الخطاب الفردي:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَ لَهَا: “اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي”. فَقَالَتْ: “إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي”! وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَلَمَّا ذَهَبَ، قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْت.ِ فَأَتَتْ بَابَهُ، فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ.
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَعْرِفْك. فَقَالَ: “إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ”. (متفق عليه).
في الفتوى:
عن أبي سعيد قال: “جَاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ زَيْنَبُ. فَقَالَ: “أَيُّ الزَّيَانِبِ؟” فَقِيلَ: امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: “نَعَمْ ائْذَنُوا لَهَا”. فَأُذِنَ لَهَا قَالَتْ: “يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ”. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ؛ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ”. (متفق عليه).
وعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: “يا رسول الله إني أحب الصلاة معك”. قال: “قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي”.(رواه أحمد).
فهذه نماذج لتخصيص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، للمرأة بخطاب زائد عن الخطاب العام، الذي تشترك فيه مع الرجل.
وأول ما نستدل له من خلال هذا الهدي النبوي: تحطيم عقيدة كانت شائعة عند النصارى، وهي أن المرأة لا تدخل في خطاب التكليف، ولا تصح منها العبادة، وكنتيجة لذلك فهي لا تدخل الملكوت الأعلى (الجنة).
وهكذا أفلاطون كان يرى أن المرأة لا تصلح لها الموعظة، فضلا عن أنها ليست أهلا للحوار والنقاش؛ ولذلك فهو يرى أن تبقى مُبعدة عن هذا النوع من الخطاب…
كما يعلمنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتخصيص الممثل له آنفا، أن للمرأة الأهلية الكاملة، لتلقي الخطاب، وما يستتبع ذلك من التكليف، ثم الجزاء.
ولذلك كثرت النصوص في بيان اشتراك النساء والرجال في الجزاء على الأعمال؛ بما في ذلك دخول الجنة:
قال الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}(آل عمران 195).
قال العلامة السعدي رحمه الله: “فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملا موفرا، أي كلهم على حد سواء في الثواب والعقاب”. تيسير الكريم الرحمان ص.376
وقال الله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(النحل 97).
وقال سبحانه: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً} (النساء 124).
قال الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه:”والنساء يشاركن الرجال في سبب العمل، فيشاركونهم في ثوابه”. مجموعة الفتاوى (6/255)
وهكذا يُبين لنا نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بمواقفه المتقدمة، وما كان على شاكلتها، أن الأمة لا بد أن توفر لنسائها ما يكفي من الخطاب التعليمي التوعوي والوعظي، لأن هذا عنصر أساسي لتحصين قلاعنا من الداخل.
فالمرأة، كفرد، وكعضو في الأسرة، وكناشطة في المجتمع؛ لا بد أن تؤثر سلبا أو إيجابا على محيطها تأثيرا يصل إلى درجة صبغ الفكر وقلب المعتقد، وتغيير السلوك.
ومن هنا جاء اهتمام دعاة الإباحية والإلحاد بالمرأة، حيث استغلها أعداء الدين والفضيلة هؤلاء، في حربهم الشرسة على الدين والقيم الأخلاقية، وسخروها لتكريس العولمة الغربية الماسخة المُذِلّة، والتي جعلت من أهم وسائلها: هدم الأسرة المسلمة، التي لا تزال تلعب دورا في الحفاظ على بعض آداب وتوجيهات الإسلام، وهذا يشكل عقبة في طريق هيمنتهم الكاملة:
يقول الدكتور عبد الفتاح بركة :”ولما كانت المرأة هي الركن الركين في هذه المؤسسة الاجتماعية (الأسرة)، وعلى محورها تدور أقطارها وتتلاقى أطرافها وتجتمع أقطابها، فقد كان العمل على صبغها بالصبغة الغربية، وتحويل فكرها وعواطفها في اتجاه التغريب من أكثر أعمال الاستشراق نشاطا ودأبا”. (دور الاستشراق في تغريب المرأة المسلمة ص.30-31).
أجل؛ وقد صرح غير واحد من المسؤولين عن بعض جوانب هذا المخطط التخريبي: (متى مدت إلينا المرأة يدها انتصرنا).
فتعين إذن، تزويد المسلمات بالرصيد التفقيهي والتعليمي الكافي، والخطاب الوعظي والتوعوي، الذي يحملهن على الاستقامة على دين الله، والالتزام بأحكامه الشرعية وآدابه المرعية.
وإلا وقعن –وهو حال كثيرات- فريسة سهلة بين أنياب ذلك المخطط الشرس؛ الشيء الذي يجعل منهن عروسا مطواعا بيد أعدائنا يحركونها كما يشاءون، في مسرحيات واقعنا البئيس، وقد شاهدنا أنواعا من هذه المسرحيات المبكية المخزية؛ ومن آخر ذلك شاعرة ساقطة تلعن سيد الرسل، خليل الله: محمد بن عبد الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !!! ..
وبهذا يظهر لك أختي القارئة، جانب آخر من جوانب الإعجاز في السنة النبوية، في مجال الإصلاح الاجتماعي، وصدق نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله الذي كان يردده كثيرا: “وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” (رواه مسلم).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *