مظاهر احتقار المرأة عند أدعياء الحداثة الباحث: أبو الكرم إبراهيم

لا تزال أصوات العلمانيين تتعالى على نزع الحجاب، ففي الوقت الذي كانت السبيل تنشر فيه مقالا يردّ على شقي من أشقياء أرض الكنانة أنكر شرعية ستر المرأة وجهها، سُمع طنين لوزير الثقافة في تلك البلاد! يزعم أن الحجاب ثقافة انكفائية أي تخلفية، ولم يأت بجديد حتى يصوب النبل نحوه، ولكن الغريب هو تغلغل الأفكار الهدامة التي تطعن في الدين وتهزأ بمقدساته في المجتمعات الإسلامية:
لو كان سهماً واحداً لاتّقيته *** ولكنه سهم وثان وثالث
لقد استطاع أعداء الإسلام الوصول إلى إفساد الأمة الإسلامية، عن طريق الغزو الفكري الذي يتقمص ألبسة العلم والتطور والحداثة، فجندوا لذلك أفراخاً لهم في البلدان الإسلامية، لا يعدون أن يكونوا أبواقاً لجمعيات ماسونية صهيونية، وصليبية حاقدة، يخدمون مصالحهم، ويطبقون مخططاتهم.
وكانت المرأة أحد الركائز التي اعتمد عليها الأعداء في تطبيق مخططاتهم هذه، فحين استجابت المرأة المسلمة لنداءات التغريب والتحرير، وكانت نداءات مغرية ماكرة للغاية، ظاهرها العطف والرحمة، وباطنها هتك الشرف والفضيلة؛ انساقت نحو السفور والاختلاط والتقليد لنساء الغرب، مغترة بما يُرفع من شعارات براقة جذابة: كالعولمة، والحرية والمساواة، وحقوق المرأة..
وحين أدرك أعداء الإسلام أن المرأة هي أساس الأسرة الإسلامية وعمادها، رأوا أنها هي السلاح الأنكى في انحراف الشباب، وأن لحمها هو الطعم الأشهى الذي يوقعهم في الفاحشة والفساد. فرفعوا شعاراتهم الخداعة لإخراجها من بيتها ونزع حيائها وشرفها، فجاءت تلك الصيحة حاملة في صداها تحسيس المرأة المسلمة بأنها مظلومة مهضومة الحقوق، وتشويه صور الدعاة المصلحين الذين يدعونها للرجوع لدينها، والتمسك بشريعتها، وحملت تلك الصيحة تغريرها بالحرية الموهومة وإخراجها من الضيق المزعوم، ناصبة أمام عينيها المرأة الغربية نموذجا حيا للتحضر والرقي والتقدم، واستطاعت هذه الموجة الخبيثة اقتحام البلدان الإسلامية بعد الاحتلال الصليبي، مستغلة فقر المسلمين وحاجتهم، وجهلهم العميق بتعاليم دينهم.
والحقيقة أن العلمانيين هم مطبقوا المخطط الغربي، بما ينشرونه من عهر وعري، ومحاربة للستر والحجاب، فهم يبثون فكرهم المسموم في الجرائد والمجلات والبرامج الإعلامية.
فيا ليت المرأة تعلم أنما يقصدون تعريتها من الأخلاق الفاضلة، وتجريدها من سترها ولباسها، حتى يمتعوا بها أعينهم، ويطربوا برنّاتها مسامعهم، ويتفكهوا بها في المقاهي والمسارح الليلية، ويقضوا منها أوطارهم، ويشبعوا منها شهواتهم، وليس يهمهم تحرر ولا مساواة، ولاحقوق.
ولا يزال العلمانيون مصرين على تطبيق مخطط علمنة البلاد، رغم ما تسببوا فيه من ويلات الأزمات والمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وقد ذاقت دول الغرب مرارة من سياستها الإباحية لمسألة تحريرالمرأة ولا تزال، كما صرحوا ببعض ذلك في كتاباتهم. وأنكد ثمرة جنوها هي زجّهم بالمرأة في مستنقع لا تحتمله من الاحتقار والإهانة، وهاك بعض مظاهرها:
– اعتبارها أحد أسس تنشيط الاقتصاد؛ بأن استخدموها في مكاتب الاستقبال والواجهات وفي المحلات التجارية والفنادق وغيرها لجلب الناس وكسب أكبر عدد من الزبناء. واعتبروها أحد المروجات لكل بضاعة مهما بلغت من الكساد. واستعملوا صورها في الإعلانات التجارية، واللوحات الإشهارية المبذولة. كما خوّل لهم ذلك إقصاء كثير من العمال الرجال من العمل في الشركات وغيرها نظرا لكثرة حقوقهم وكلفتهم، وتعويضهم بالإناث مقابل شروط أقل، وكلفة أيسر. وقد أثار امتهان المرأة بهذه الطريق لِجَن تحرير المرأة في بريطانيا، واعترض (توني بن) زعيم اليسار على ذلك لأن فيه تحقيرا لشأن المرأة.
– اعتبارها سلعة بنفسها تباع وتشترى، ففي القرن الثامن عشر كانت المرأة تباع وتسلم لمشتريها ومعها حبل في عنقها، وفي هذا العصر تطور البيع من صورة تتقزز منه النفس إلى بيع من نوع آخر، ألبسوه لباس التألق والفن والشهرة والحرية، يحطم الأخلاق، ويتلف النسل، فهاهي المواقع الإباحية تعرض صور العاهرات، وثمن نيلهن واستغلالهن، وهاهي الحانات الخاصة للزنا في بعض البلدان، تخير زبونها في ثلة من البغايا مباشرة، وما دور عروض الأزياء إلا تقنين النظر الإبليسي، وعرض اللحم الإنساني؛ تقول عارضة الأزياء الفرنسية “فابيان” قبل إسلامها لجريدة “المسلمون”:
“إن بيوت الأزياء جَعَلت مني مجرد صنم مهمته العبث بالقلوب والعقول، كنت جماداً يتحرك ويبتسم، ولكنه لا يشعر فكلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها، زاد قدرها في هذا العالم القاسي البارد. أما إذا خالفت أياً من تعاليم دور الأزياء فإنها تعرض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي والجسمي معاً، وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون حياء. ولم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي بينما كنت أشعر باحتقار الناظرين لي شخصياً”.
فأي عبودية أقسى من فقدان المرأة لإنسانيتها؟ واستعبادها ليداس عرضها، وتسحق كرامتها، ويدفن حياؤها في مستنقع الرذيلة.
– الاختلاط في المدارس والكليات: لقد شكل تراجع غالبية الشباب عن دراستهم وفشلهم فيها ظاهرة واضحة، زيادة على انحطاط الأخلاق الذي صاحب ذلك، وكان وراء هذا الأمر عوامل كثيرة أغلبها أو كلها من المغريات والملاهي، والتي ضربت فيه المرأة المتبرجة بالحظ الأوفر.
فقد جعل الغزاة من طرقهم الشيطانية لإفساد التعليم اختلاط الذكور بالإناث تهييجا للغرائز الجنسية عند الطرفين، حتى يتأتى لهم تخدير الشباب بالعشق والعلاقات المحرمة، فينشغل ذهن التلميذ أو الطالب عن دراسته، ويقل تركيزه، ويكون كل همّه من الحضور مصاحبة خليلته وعشيقته ومنادمتها.
– جعلها عنصرا أساسيا في البرامج التلفزيونية والإذاعية، والحملات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية، فلا تحلم مجلة ولا صحيفة بالشهرة والرواج إن لم تلطخ صفحاتها بالصور الخليعة، ومعروضات السفور والمجون، فصارت صور المرأة في أي هيئة اشتهيت، أو لباس أريدت تشترى بأبخس الأثمان، وتداس بالأقدام، وينالها كل أحد مهما بلغ في الحقارة والنذالة، ولم يبق جزء من محاسن المرأة ومفاتنها إلا وتظهره العدسات المشؤومة، كما تظهرها كاميرات الفيديو تمارس الجنس في أغوار البيوت والفنادق.
فلم تبق للمرأة تلك المكانة العالية، ولا تلك القيمة النفيسة، ولا تلك الحقوق التي تتمتع بها في الإسلام، فقد نوّه بالمرأة أعظم تنويه، وجعلها أحد دعائم الحياة البشرية قال تعالى: “إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى”، وأوصى ببرّها أمّاً، وحرم عقوقها، وحرّم تحقير البنات ووأدهن والنظر إليهن بعين الازدراء مقارنة بالولد، وحث على تربيتهن، وأوصى الأزواج بتقوى الله فيهن، وأمر بمعاشرتهن بالمعروف. إلى غير ذلك من الأحكام الشريعة التي تتميز:
بأنها ربانية المصدر، والخالق أعلم بما يصلح خلقه، أفهم أعلم بالمرأة وبمصالحها من ربها الذي قال سبحانه: “أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ”، فالله سبحانه خلق الخلق وهو يعلم ما فيه صلاحهم فأمرهم به وحثهم عليه، وعلم ما فيه فسادهم فنهاهم عنه وحذرهم.
وأما وقد استنكفوا عن التشريع السماوي وعوّلوا على تشريعهم العقلي، فلن يثمر لهم ذلك إلا الفساد العريض، الذي يفوت عنهم دينهم ودنياهم، وسيظلوا حياتهم في التخبطات والمتاهات.
وبأنها تتعلق بصاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم الذي حصر إرساله في رحمة العباد قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”، فكل ما جاء به صلى الله عليه وسلم من أحكام فكلها عطف ورأفة ورحمة وحنان، وليتأمل الدارس سنة سيد ولد آدم في تعامله مع النساء، فلن يجد أفضل وأحسن منه صلى الله عليه وسلم معاملة للنساء، ومن تتبع أحكام النساء في السنة المطهرة يجدها في أعلى مراتب الرحمة والحفظ والصيانة، والتشريف والتكريم، كيف وهي مادة الأمة المحمدية، وسر وجود حَمَلة السنة النبوية.
وبأن التشريع فيها جاء لتحقيق المصالح وتكثيرها، وإعدام المفاسد وتقليلها، وما شرع في قضية المرأة فهو لصالح المرأة أولا ولصالح أمتها ومجتمعها ثانيا، وبذلك يقضي الشرع الحكيم على أطماع ذوي الأغراض الشخصية، والأهواء المصلحية، والسياسات الماكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *