حدود المغرب بين مطالب حزب الاستقلال وتطلعات السلطان

في نوفمبر 1955، بعد عودة محمد الخامس من المنفى، نشر حزب الاستقلال ما سمي «بالكتاب الأبيض» الذي يحتوي على وثائق وخرائط مفصلة تشمل ثلاث مناطق هي موريتانيا و«الصحراء الغربية» وجزء كبير من الغرب الجزائري.
فغداة استقلال المغرب عن فرنسا مباشرة، بدأ علال الفاسي يروج لتصوره لحدود المغرب التاريخية «دار الإسلام». ففي تجمع حاشد لحزب الاستقلال سنة 1956، أخذ زعيم الحزب علال الفاسي عصاه ورسم على الرمال خارطة كبيرة تضم أراضي شمال غرب أفريقيا وقال مخاطبا قادة حزبه: «نطالب بكل أجزاء الإمبراطورية العلوية التي لم تتحرر بعد والتي تبدأ من طنجة شمالا مرورا بالصحراء الغربية وصولا إلى الصحراء والحدود الجزائرية، بشار الاغواط، ادرار مرورا باطار في موريتانيا وصولا إلى السينغال، وإذا لم تتحرر هذه المناطق فإن من واجبنا أن نقوم بفعل لنحرر وطننا ونوحده».
ولم يكتف القيادي الاستقلالي بهذا، بل قال في 27 مارس 1956 مؤكدا في تعميم تلك الأفكار: «مادام النظام الدولي قائما في منطقة طنجة والصحاري الأسبانية، من جنوب تندوف إلى اطار، وإذا لم تزح الوصاية عن الأقاصي الجزائرية المغربية يبقى استقلالنا مبتورا، وواجبنا الأول هو متابعة العمل من أجل تحرير البلاد وتوحيدها».
وقد استند علال الفاسي في مقولاته على مرحلة التاريخ الوسيط للدول التي تعاقبت على حكم المغرب، مثل دولة السعديين التي امتد نفوذها حتى نهر السينغال جنوبا، ويظهر ذلك من خلال الخرائط التي تضمنها الكتاب الأبيض.
يشير محمد زيان بهذا الصدد أنه : «على مر العصور، كانت الدول التي تعاقبت على حكم المغرب تتمطط وتتقلص بحسب الفترات، فأحيانا تصل إلى مالي والسينغال والأندلس، وأحيانا أخرى لا يتجاوز حكمها العاصمة أو بعض المتآخمة لها».
وفي يونيو 1956 قام حزب الاستقلال بنشر نسخة جديدة من الكتاب الأبيض تتضمن خارطة تشمل «الصحراء الغربية» والصحراء الجزائرية وبلاد شنقيط، وقام بإعدادها ورسمها عبد الكريم الفاسي ابن عم علال الفاسي وهو الذي قام بتوزيعها بنفسه في القاهرة يوم 3 يوليو 1956، كما قامت جريدة العلم المغربية لسان حزب الاستقلال بنشر الخارطة المذكورة على صفحتها الأولى.
لم يكتف زعيم حزب الاستقلال بهذه التصريحات بل قام بتعميمها في العالم العربي ومصر خاصة، مؤكدا أن «حدود المغرب تنتهي عند سانت لويس بالسينغال» ثم أعاد رسم خارطة «المغرب الكبير» في جريدة العلم المغربية يوم 7 يوليوز سنة 1956 مرفقة بمقال له يذكر فيه أن حدود المغرب يجب أن تمتد إلى ما وراء نهر السينغال.
ونشر مقال أخر بنفس الجريدة في 7 يونيو سنة 1961 بعنوان: «الحقيقة عن الحدود المغربية»، ذكر فيه بأن دولة مالي في حدودها السابقة هي الدولة الوحيدة المجاورة للمغرب على الحدود مع الصحراء.
كما ضغط حزب الاستقلال للاعتراف دستوريا بمطالبه، حيث أن المادة الرابعة من القانون الأساسي للمملكة الصادر بتاريخ 2 يونيو 1961 نصت آنذاك، على ضرورة توحيد الأراضي المغربية، كما أن المادة 19من الدستور المغربي الصادر في 10 مارس 1972 تحدثت أيضا عن أقاليم المملكة في «حدودها التاريخية».
وقد سبق تلك الفترة الاشتغال الدؤوب لعلال الفاسي، بقصد تجميع الوثائق التي تؤيد أحقية المغرب في «أرض شنقيط»، فمنذ سنة 1957 بدأ جهوده التوثيقية رغم تحفظ كل من ولي العهد آنذاك، «الحسن الثاني»، والمهدي بنبركة، ليكلف هذا الأخير محمد اليازغي وعمر بن جلون ورشيد بن عبد الله وعباس الدكالي، بالاشتغال مع علال الفاسي حول ملف موريتانيا والصحراء في الوثائق الفرنسية. لكن عمر بن جلون ورشيد بن عبد الله لم تساعدهما الظروف كي يشاركا في هذه المهمة، لذا سافر اليازغي وعباس الدكالي إلى طنجة والتحق بهم بن زكري، واشتغلوا جميعهم 15 يوما في منزل علال الفاسي على الأرشيف الفرنسي، سواء ما تعلق منه بوثائق وزارة الخارجية الفرنسية أو بالتقارير التي كان الحكام الفرنسيون في الجزائر ودكار يبعثون بها إلى الحكومة في باريس حول الصحراء وموريتانيا.
وكانت هذه ذخيرة كبرى لأنها كلها في النهاية تبين أن شنقيط والساقية الحمراء ووادي الذهب كانت دائما جزءا لا يتجزأ من المغرب، ففي تلك الوثائق والتقارير يعترف الفرنسيون بأنهم اقتطعوا أطرافا من الصحراء الشرقية في المغرب وألحقوها بالجزائر.
والواقع أن الموريتانيين ظلوا مغاربة، وظلت بلادهم تابعة لحكم سلاطين المغرب، حتى وقع التغلغل الفرنسي في أراضيهم سنة 1904، ففي سنة 1905 أرسل سلطان المغرب مولاي عبد العزيز، حملة بقيادة أحد العسكريين المغاربة لطرد الجيوش الفرنسية الغازية من «تيجيكجا» فكانت معركة «السيل» الشهيرة داخل حصن تيجكجا في شهر ماي من نفس السنة.
ووثق فيديو نادر نشرته “هسبريس” في 27 ماي 2015، السلطان الراحل محمد الخامس وهو يُكثف الجهود، خلال الفترة الزمنية الممتدة بين 1956 و1960، من أجل إحياء ما سمي من قبل بالإمبراطورية العلوية بعد أن قسمها الاستعمار الفرنسي والإسباني.
ويبدو في الفيديو النادر، الذي نشره منتدى القوات المسلحة الملكية بموقع يوتوب، الملك الراحل، محمد الخامس، أثناء زيارته التاريخية لجنوب المغرب في أواخر الخمسينيات، وكيف تم استقباله بحفاوة من طرف سكان الصحراء، فيما كان يتحدث المذيع الفرنسي عن كون الزيارة الملكية تعد “أحد مظاهر السيادة المغربية على موريتانيا”.
وأورد التقرير التلفزي الفرنسي، الذي بث لأول مرة في الشبكة العنكبوتية، أن السلطان الراحل محمد الخامس كان يحلم بإعادة ضم موريتانيا، والسنغال، وشمال غرب مالي، وغرب الجزائر، فيما كان يعرف بالمغرب الكبير، كما بعث وفدا موريتانيا للدفاع عن الأطروحة المغربية أمام منظمة الأمم المتحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *