(إن إيران قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق، وإنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة). محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشئون القانونية والبرلمانية.
بينما كانت الحرب الكلامية بين البلدين في ذروتها في ثمانينيات القرن الماضي، وبينما كان الخميني وأتباعه يصبون لعناتهم على ما يسمونه بـ”الشيطان الأكبر”، كان الرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر يعقد اتفاقاً، في باريس مع نائب الرئيس الأمريكي “بوش الأب” وبحضور مندوب الموساد “آري بن ميناشيا”، لتزويد إيران بأنواع متطورة من السلاح الأمريكي، عن طريق “إسرائيل”، كي يستخدمها الجيش الإيراني في حربه ضد العراق وذلك مقابل مبلغ مقداره 1.217.410 دولار أمريكي.
وبينما كان الرئيس الأمريكي “بوش الابن” يهاجم النظام الإيراني ويتوعده، كانت قواته في العراق تتولى حراسة الرئيس الإيراني منذ وصوله إلى مطار بغداد وحتى مغادرته .
وبينما تهدد السلطات الإيرانية بإغلاق مكتب قناة العربية في طهران، ويهاجم عبد الرحمن الراشد مدير القناة إيران بمقالات نارية، نجد هذه القناة لا تمل من عرض دعايات الحكومة العراقية: البغدادية الإقامة؛ الطهرانية المولد والنشأة!
فكيف لنا أن نفهم هذا التناقض بين ما يشاع من حجم العداء الهائل بين تلك البلدان، وبين ما يُفعل ويُمارس على أرض الواقع؟
زد على ذلك ما يحدث بين فترة وأخرى من تسريبات وكشف عن بعض الوثائق القديمة، والتي توضح حقيقة بعض الأحداث، كما في تلك الوثائق التي أفرج عنها أرشيف الأمن القومي الأمريكي والمتعلقة بفضيحة “إيران/كونترا”، أو ما يحدث من فلتات لسانية لبعض المسؤولين، كما قال محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية في ختام مؤتمر “الخليج وتحديات المستقبل” والذي عقد بإمارة أبوظبي بتاريخ 13-1-2004: (إن إيران قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق، وإنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة).
وكما يقول “شارون” في مذكراته: (لم أر في الشيعة أعداء لإسرائيل على المدى البعيد، عدونا الحقيقي هو المنظمات الإرهابية الفلسطينية) مذكرات شارون، ترجمة أنطوان عبيد؛ ص:576.
أو ما صرح به وزير الخارجية في حكومة نتنياهو “ديفيد ليفي” حيث قال: (إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام أن إيران هي العدو) جريدة هارتس الصهيونية.
والواقع أننا لسنا هنا في معرض التتبع لمثل هذه الوثائق أو التصريحات، ومن أراد ذلك فلن يصعب عليه، فهناك عشرات الوثائق والمقالات التي تناولت هذا الجانب، وما نود الإشارة إليه هو أنه ما زال هناك كثير منا يعتقد بأن إيران هي حاملة راية الجهاد والمقاومة ضد أمريكا والكيان الصهيوني، والمصيبة أن ذلك ليس قاصراً على العوام، بل يتعداه إلى طبقات من المثقفين.
ومع تسليمنا بعدم وجود عداء حقيقي بين إيران وأمريكا والكيان الصهيوني، إلا أننا لا نستطيع نفي وجود نقاط خلاف طبيعية بينهم من قبيل خلافات المصالح وحسابات النفوذ والسيطرة، إلا أن الواضح أن تلك الدول قادرة وباحترافية سياسية عالية على تجاوز نقاط الخلاف، أو على الأقل تحييدها وتأجيلها إلى وقت لاحق، والتركيز على القضايا الاستراتيجية المشتركة.
ومن مصلحة أمريكا والكيان الصهيوني أن تبدو إيران في موقع المقاومة والعداء المطلق لهما، وأن تتزعم ما يسمى بمعسكر الممانعة، لأن ذلك يحقق هدفين مزدوجين :
الأول: وهو ما يعبر عنه البعض بالحاجة الوجودية لـ”إسرائيل”، فمن المعلوم أن “إسرائيل” تحب أن تبدو دائما بمظهر الضعيف المحدق به الخطر والمحاط بسياج من الدول المعادية، مما يمكنها من الحصول على مساعدات وأسلحة الدول الغربية الكبرى وبخاصة أمريكا، وقد رأينا كيف تحالف العالم بأسره معها لمنع تهريب السلاح لحماس، ولذلك فهي تستغل تصريحات المسئؤولين الإيرانيين الذين يتوعدون بإزالتها من على الخارطة لإقناع الرأي العام الغربي بحاجتها للدعم المستمر، وكذلك لجعله يتفهم ما تقوم به من أعمال إرهابية ضد المدنيين في فلسطين أو لبنان.
كم عدد الحروب التي اندلعت بين إيران وأمريكا منذ انطلاقة الثورة الإيرانية إلى الآن؟
هل حدث أن ضُربت مواقع استراتيجية إيرانية على غرار ما حدث للمفاعل العراقي؟
الواقع يشهد أن أمريكا إنما خاضت الحروب ضد أعداء إيران التاريخيين، أفغانستان التي مازالت مشاعر الغضب الطائفي والعنصري الإيراني تتأجج ضدها، بسبب عقدة سقوط الدولة الصفوية على يد الأفغان الغلزائيين (1722-1729م) بقيادة “المير محمود”، والعراق الذي تصدى للزحف الصفوي الجديد بقيادة الخميني، بينما بقيت إيران في مأمن بفضل قدرتها على الاستفادة من نقاط الالتقاء بين مشروعها التوسعي والمشروع الغربي، في ظل غياب شبه كامل لمشروع عربي إسلامي سني موحد.
الثاني: (وهو ما قد يغفل عنه الكثيرون) تلميع المذهب الشيعي الذي تتبناه إيران وتراهن عليه مع تلك القوى في مزاحمة الإسلام السني غير المتسامح مع المشروع الغربي، ويتم ذلك عبر تقديم المذهب الشيعي كمذهب يقوم في الأساس على مبدأ المقاومة والجهاد للمحتل دون مواربة، وقد لمسنا تأثر البعض منا (ولا أقصد العوام فقط) بخطابات نصر الله النارية ضد إسرائيل! بل وصل الأمر إلى حدوث انقلاب من بعض الإسلاميين ضد مشايخهم، كل ذلك دفاعاً عن إيران (المقاومة)! ومن شأن هذا الهدف في حال تحققه إحداث نوع من التوازن المذهبي في المنطقة، وهذا يعد بلا شك هدفاً مشتركاً لكل الأطراف. في ذكرى الثورة الخمينية. (انظر: تأملات في حقيقة العلاقات الإيرانية الأمريكية؛ حامد العمري).