مكيدة الإسبان لانتقاض الصلح بينهم وبين الإيالة المغربية

كان السبب في انتقاض الصلح مع الإسبان أن العادة كانت جارية مع أهل سبتة من النصارى وأهل أنجرة من المسلمين أن يتخذ كل من الفريقين محلا للحراسة على المحدة التي بينهما، وكان النصارى يتخذون هنالك بيوتا صغارا من اللوح والمسلمون يتخذون أخصاصا من البردي ونحوه.
وكان عدد سكان سبتة أكثر من خمسة ألاف، وفي مليلية نصف العدد، وما ستقدمه حكومة أدونيل من ضحايا قربانا لنهج سياستها أكثر من سكان المدينة الثانية، حيث قاموا في آخر دولة السلطان المولى عبد الرحمن رحمه الله، ببناء بيت من حجر وطين، وعملوا فيه ليلا ونهارا مما أثار حمية أهل أنجرة وتقدموا إليهم وقالوا: “لا بد أن تهدموا هذا البيت الذي لم تجر العادة ببنائه وترجعوا إلى حالتكم الأولى من اتخاذ بيوت الخشب”.
فامتنع النصارى من ذلك، فقام أهل أنجرة مستنفرين حيث تجمعوا واستجمعوا قواهم للهجوم، خصوصا وأن ما خطط للبناء وما تم منه دخلوا به في أرض القبيلة مسافة تبعد عن أسوار المدينة، وذلك في نفس الشهر الذي قيل إن التفاهم تم فيه من أجل السفينة الشراعية الإسبانية التي أسرها أهل قليعة سنة 1262هـ/1845م.
وفي نفس الوقت هجم الفرنسيون شرقا شبه متضامنين مع الإسبان، كما أرسلوا سفينتهم التي لما أظهرت شيئا من ذلك هاجمها أهل تطوان الذين اعتذر عنهم محمد الخطيب ثم كتب للسلطان بذلك.
وقد كتب نجل السلطان مولاي عبد الرحمن، العباس بخطه: “إن مقدمة هذا الأمر ومبدأه فيما بلغنا عمن كان يباشره أن آل أنجرة ذهبوا إلى محدة الرومي وكسروا له حجرا كان عنده هنالك فيه رسم طابعهم الذي يعبرون عنه بالرومية أكرونة، فمن حيث وقع ذلك جاء الرومي إلى محدته واشتغل يبني برجا ليدفع به عن نفسه، فجاء المسلمون وكسروه وتربوه، فجاء الرومي إلى الملكف من قبل السلطان الوالد رحمه الله وشكا له بجرأة أنجرة عليه، وإن لم يوقع عليهم الأحكام يكون ذلك سبب الفتن، فكتب لهم ذلك المكلف وهو محمد الخطيب التطواني، ووجه لهم بعض السادات ينهاهم ويأمرهم بالكف عن العتو والفساد، فأجابوه بأقبح ما يسمع وقالوا له: إنه على نفس النصارى وعادوا لعتوهم وفسادهم، ووجه لهم عاملهم بعد ذلك من طنجة ينهاهم فما رفعوا له رأسا”.
كل ذلك لم يعبأ به أهل أنجرة ولم يدخلوا في حسابهم شيء منه بل عندما اكتمل جمعهم قاموا بهجومهم يوم 10 محرم 1276هـ/10 غشت 1859م، فكانت النتيجة أن هدموا البناء الذي قام تحت حماية القوة الإسبانية، ولولا أنهم كانوا قاصدين لما تمكن أهل أنجرة من الهدم، وهناك حامية مسلحة استقدمت بعد المناوشات، ومهما يكن فقد هدم البناء وأهين العلم الإسباني الذي قد رفع عليه.
هذا الأمر دفع القنصل الإسباني إلى أن يكتب رسالة إلى وزير خارجية بلاده ختمها بقوله: “..واعلموا أن الإهانة الموجهة إلى معسكرنا سوف لا تزيد كونها ومضة براقة تشرق مع سابقاتها على جبين الحصن الإسباني”.
كما قام هذا القنصل بإرسال رسالة إلى النائب السلطاني، التي ورد فيها السب والشتم لأهل أنجرة من قبيل “المتوحشون-الأشقياء” ولم يكتف بذلك بل تهجم على السلطان بقوله: “فإن الأعمال قد برهنت على أن مولاكم الملك فاقد للقوة والسلطة الضروريتين، حتى يكون مهابا ومطاعا من جانب رعاياه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *