على حين غرة ألقت قضية “البارون المالي” الحاج أحمد بن بنبراهيم، حجرا كبيرا في مياه حوض السياسة المغربية الراكضة، ركوض الاقتصاد، والأحوال الاجتماعية، والتمكن للفكر الليبرالي، الذي يقوده وزير العدل عبد اللطيف وهبي، فكانت القاسمة، وجد خلالها حزب الجرار “الأصالة والمعاصرة” نفسه في مواجهة تهم قديمة-جديدة.
قديمة قدم اتهام عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، حزب الأصالة والمعاصرة، في لقاء تواصلي في إطار الحملة الانتخابية الجماعية 2015، باستعمال ما وصفها بـ “أموال الغبرة”، في إشارة إلى أموال المخدرات، من أجل تمويل حملات مرشحيهم الانتخابية وشراء أصوات الناخبين، وبطريقة تهكمية أرجع زعيم حزب المصباح سبب غياب قيادات “البام” عن التجمعات الخطابية هو تخوفه من تعويلهم على الأموال من أجل شراء الأصوات.
تخوف كرسه المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، حيث أكد أنه من الناحية السياسية، وباحترام تام لقرينة البراءة وسرية التحقيق والمساطر والقضائية ذات الصلة، يعتبر بأن المتابعات القضائية الجارية في حق عدد من المسؤولين في إطار ما يسمى بقضية “إسكوبار الصحراء”، تؤكد التخوفات التي سبق أن عبر عنها الحزب في عدة محطات ومنذ سنوات عديدة، والتي نبه فيها إلى المحاولات الجارية من أجل السطو على مؤسسات الدولة من طرف بعض مافيات الفساد وتجار المخدرات تحت غطاء بعض المشاريع الحزبية التحكمية الهجينة، وهذا ما عبر عنه حميد شبيط عند تصديه لحزب الجرار، واتهامه بـ”تشريد الأحزاب”، وكذا في مواجهته في مسألة تقنين “الكيف”.
وهو ذات السبب الذي جعل الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد يحذر من “فرض أحزاب سياسية في المشهد والتضييق على أخرى”، وكذا من “استعمال المال بشكل فادح في الانتخابات كما حدث في الاستحقاقات السابقة وبالخصوص في المسلسل الأخير الذي تجاوز كل الحدود والذي عبرتُ عنه سابقا بأنه تسونامي من المال، حيث زكت بعض الأحزاب أشخاصا مرتبطين بمواقع فاسدة وبنفوذ وريع اقتصادي وتم تقديمهم في الانتخابات عوض ما سمي بالكفاءات الجديدة”.
إسحاق شارية، المحامي والأمين العام للحزب المغربي الحر، أكد بدوره على راهنية التصدي للفساد ووضح حد لتمييع الحقل السياسي والانحطاط الذي وصلت إليه المؤسسات السياسية والمنتخبة.
لقد جاءت قضية “البارون” لتطرح بقوة سؤالا وجوديا لكل الأحزاب المغربية، يخص الدور المنوط بها، وصورة السياسيين، ومكانة المنتخبين، وموقف ممثلي الأمة من قضايا الفساد، وبكل ما يتعلق بالرشوة، والإثراء غير المشروع، واستغلال النفوذ، والاتجار في الممنوعات والأزمات، تحت حصانة سياسية، وبغطاء حزبي.
قضية “البارون المالي” كرست النظرة السوداوية للمواطن المغربي في ظل ما يعيشه من أزمات معيشية وتضخم، وغلاء أسعار وأزمة تعليمية، وثبتت صورة شديدة القتامة للمشهد السياسي، الأمر الذي يجعل الجميع يفقد الثقة في السياسية والسياسيين في البلاد.
قضية “البارون المالي” فجرت ملفا ساخنا يقبع بسببه كل من الناصري وبعيوي، القياديين في حزب الأصالة والمعاصرة، وآخرين في سجن “عكاشة” بمدينة الدار البيضاء، كما توحي تطورات هذه القضية الخطيرة، أن هناك أسماء وازنة من بينهم سياسيين ومسؤولين إداريين وأمنيين، سيجري استدعاؤهم من أجل التحقيق معهم في نفس القضية.
قضية “البارون المالي” كرة الثلج التي لا يزيدها التدحرج إلا كبرا، وابتلاعا لكل من اقترب منها، كرة زلزلت أركان حزب الأصالة والمعاصرة، يؤكد ذلك قيام بعض أعضائه بتشكيل ما أسموه “حركة تصحيحية داخلية”، وتنذر بأزمة وانقسام داخل هذا الحزب الذي تأسس في 10 غشت 2008، على فسيفساء هجينة وغير متجانسة، استقطبها من أحزاب أخرى.
فهذه الفضيحة رجت هذا الحزب رجة قوية، ومعلوم ما تحدثه الرجّات من تطاير وتشتت وتناثر والأيام تحكم وتكشف المآلات.