لما قطعت أوربا مع القيم الدينية وتبنت القيم العلمانية -التي تستمد مرجعيتها من الفلسفات المادية- كانت تعلم أن بنيتها الاجتماعية ستتغير جذريا، واعتبرت أن أبناء الزنا والنساء الزواني والأمراض الجنسية وتفكك الأسرة وانهيارها والأطفال المشردين كلها أعراض ثانوية للحداثة وضريبة معقولة للتقدم.
وما لبثت أن طبَّعت مع هذه الأمراض وتلك الأعراض فانهار نظام الزواج ولم يعد الناس في حاجة إليه، إذ لم يعد بعد هيمنة المفاهيم العلمانية فرقٌ بين ابن الزنا والابن الشرعي، حيث أطلقت تسمية الأطفال الطبيعيين على أبناء الزنا، والأمهات العازبات على الزواني، وتكفل المجتمع المدني الذي عوض الأسرة برعاية الكل، ونظرا لانتفاء أي قيمة أخلاقية أو دينية أصبح للواطيين والسحاقيات الحقوق نفسها التي يتمتع بها أسوياء الفطرة.
أما في بلادنا فالأمر مختلف، لم نقطع مع القيم الدينية بل ما زالت الدولة تنص في دستورها على أن دينها هو الإسلام، وبها مجالس علمية ووزارة للشؤون الإسلامية وإمارة للمؤمنين، وما زالت مادة التربية الإسلامية تدرس في المدارس العمومية والخاصة، إلا أننا وبالرجوع إلى الواقع العملي نتيه بين أرقام الإحصائيات ونُصدم من نفاذ العلمانية في القوانين ومشاريع الإدارات وخطط الإصلاح كل ذلك باسم الانفتاح والحداثة.
وكدليل على هيمنة العلمانية المدعومة من طرف سفارات الدول الأوربية وأمريكا، تلك الطريقة التي يعالج بها ملف محاربة السيدا، فرغم أن التقارير والإحصائيات تفيد أن 80 في المائة من حالات الإصابة بالسيدا سببها الرئيس هو الزنا، ما زال القائمون على هذا الملف مصرين على الإخلاص للمنهج العلماني في المعالجة، ليقينهم أن الجهات الأجنبية المانحة والمؤطرة في مثل هذه الملفات لن تقبل بإدخال الدين في علاج الأمراض الاجتماعية، لأن ذلك من شأنه أن يوقف المد العلماني ويزيل النقاب عن حقيقة الحرب التي تقودها جهات يَهمّها أن يصبح أبناء المغاربة نصفهم أبناء زنا، والنصف الآخر لواطيين وسحاقيات، وذلك لقتل أي روح للممانعة والمقاومة للدخيل من الأفكار، لعلمهم أن السلاح الوحيد الذي يمتلكه المسلمون هو دينهم.
لهذا تعطى الجوائز للعلمانيين من أمثال الطوزي وجنجار وتكفل الحماية لأمثال سلمان رشدي وحرصي علي الصومالية.
إن الحرب اليوم في المغرب وكل البلدان الإسلامية دائرة في ساحة القيم، فالعلمانيون مدعومين بأموال الغرب ودراساته ومناهجه وما له من نفوذ في بلداننا، يعملون ليل نهار على تفتيت منظومة القيم الإسلامية والاستعاضة عنها بقيم علمانية باسم الحرية والحداثة والانفتاح.
ومع ارتفاع آثار هذه الحرب والمتمثلة في نسبة أولاد الزنا والنساء الزواني، أصبح التشوه بارزا على البنية الاجتماعية، فأصبح الحديث عن البكارة “زايد ناقص” كما سبق وأن عنونت إحدى المجلات العلمانية المتطرفة أحد ملفاتها.
وبالفعل، فالاستخفاف بالعذرية صار أمرا واقعا نظرا لكون قيم العفة تحارب ليلا نهارا، سرا وجهارا، على القنوات الإعلامية الرسمية، وفي الإذاعات الخاصة.
فقد تحققت نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبر أن المسلمين سيتبعون سنن من كان قبلهم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى إذا ما دخلوا جحر ضب دخلناه. ولا نشك أن تبني الدول الإسلامية للعلمانية هو من دلالات النبوءة، وهذا لا يعني الاستسلام والركون؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هـريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء”، وفي رواية قيل: “ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، ومن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم”. الصحيحة.
فليشمر المصلحون والصالحون على ساعد الجد، فما أكثر الفساد وما أعز المعين.