يستحب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان؛ لأن فيه كان نزوله؛ ولهذا كان جبريل يعارض به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل سنة في شهر رمضان، فلما كان في السنة التي توفي فيها صلى الله عليه وسلم عارضه به مرتين تأكيدا وتثبيتًا.
عن ابن عباس قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل [وفي رواية: لأن جبريل كان يلقاه] وكان يلقاه [في كل سنة] في كل ليلة من رمضان [حتى ينسلخ] فيدارسه القرآن [يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن] فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة [فإذا لقيه جبريل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة]” .
وقد ذكر العلماء أن مدارسة جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الإقراء المذكور في قوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى}.
وتضمن هذا الحديث بيان ما كان عليه رسولا الله الملكي والبشري؛ جبريل ومحمد صلى الله عليهما وسلم من الاجتماع على مراجعة القرآن في شهر رمضان:
قوله: “يلقاه” أي ينزل عليه .
وظاهر الروايات أن كلا منهما كان يقرأ على الآخر، كما يدل عليه قوله: “فيدارسه”، وقوله في رواية: “يعارضه” .
قال الحافظ ابن حجر: “والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلا منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع”اهـ
تلاوة القرآن في رمضان سبب لانشراح النفس وجودها:
وقوله: “لأن جبريل كان يلقاه” فيه بيان سبب الأجودية المذكورة؛ حيث “كان يتضاعف جوده وإفضاله في هذا الشهر لقرب عهده بمخالطة جبريل عليه السلام ولكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم الذي يحث على المكارم والجود” .
قال العلامة ابن حجر: “وقوله “فيدارسه القرآن” قيل الحكمة فيه أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس والغنى سبب الجود والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي؛ وهو أعم من الصدقة وأيضا فرمضان موسم الخيرات لأن نعم الله على عباده فيه زائدة على غيره فكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر متابعة سنة الله في عباده؛ فبمجموع ما ذكر من الوقت والمنزول به والنازل والمذاكرة حصل المزيد في الجود، والعلم عند الله تعالى” .
وقال في موطن آخر: “وفيه أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير”اهـ .
و”قوله: “فلرسول الله صلى الله عليه وسلم” الفاء للسببية واللام للابتداء وزيدت على المبتدأ تأكيدا أو هي جواب قسم مقدر، والمرسلة أي المطلقة يعني أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح؛ وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة وإلى عموم النفع بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه ووقع عند أحمد في آخر هذا الحديث: “لا يسأل شيئا إلا أعطاه” وثبتت هذه الزيادة في الصحيح من حديث جابر: “ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقال لا”” .
قلت: وقد كان السلف يضاعفون وردهم من القرآن في شهر رمضان اقتداء بالرسولين الكريمين عليهما الصلاة والسلام، كما أن كثيرا من العلماء كانوا يوقفون أنشطتهم العلمية للتفرغ لتلاوة القرآن وتدبره..
فـ”كان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام، قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن، وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت” .