قال الله عز و جل: “قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ، إِنَّ الله َخَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ، وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ” النور.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسير هاتين الآيتين: “أمر الله جل وعلا المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج، ويدخل في حفظ الفرج: “حفظه من الزنى واللواط والمساحقة، وحفظه من الإبداء للناس والانكشاف لهم”. (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 6/126).
ولشيخ الإسلام تفصيل في المراد بغض البصر، قال رحمه الله تعالى: “والله سبحانه قد أمر في كتابه بغض البصر، وهو نوعان: غض البصر عن العورة وغضه عن محل الشهوة.
فالأول كغض الرجل بصره عن عورة غيره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة”، ويجب على الإنسان أن يستر عورته كما قال صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حيدة: “احْفَظْ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك”، قلت: “فإذا كان أحدنا مع قومه”، قال صلى الله عليه و سلم: “إن استطعت أن لا تُرِيَها أحداً فلا يَرَينهَا”، قلت: “فإذا كان أحدنا خالياً”، قال صلى الله عليه و سلم: “فالله أحق أن يُستحيَا منه”.
وأما النوع الثاني من النظر، كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية، فهذا أشد من الأول، كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير، وعلى صاحبها الحد، وتلك المحرمات إذا تناولها مستحلاً لها، كان عليه التعزير، لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهي الخمر، وكذلك النظر إلى عورة الرجل، لا تُشتهى كما يُشتهَى النظر إلى النساء وَنَحْوِهِنَّ، وكذلك النظر إلى الأمْردِ بشهوة، هو من هذا الباب، وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك، كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة”. (الفتاوى415-414/15)، ثم قال رحمه الله بعد تفصيل: “..وكل قسم من هذه الأقسام، من كان معه شهوة، كان حراماً بلا ريب، سواء كانت شهوة تمتُّع بالنظر، أو كان نظرا بشهوة الوطء، وفرقٌ بين ما يجده الإنسان عند نظره إلى الأشجار والأزهار وما يجده عند نظره إلى النساء والمردان” (الفتاوى 417/15).
إن التمسك بغرز الآيتين الكريمتين والعمل بهما حصن منيع أمام موجة الفتن والشهوات العاصفة التي نعيشها في زمننا، فعصرنا هذا هو عصر الصورة بامتياز، صور ملأت الصحف والمجلات والملصقات الإشهارية والكتب، أما القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت فإن الأمر أدهى وأمرُّ، ولذلك تعرض كل المظاهر الحيوانية في الإنسان ابتداء من الوصلات الإشهارية وانتهاء بالأشرطة الخليعة التي تتقزز منها النفوس السوية، والفطر السليمة، ومروراً بالمسلسلات والأفلام، والتي لا تترك مستوراً في الإنسان ذكرا كان أو أنثى إلا كشفته وعرَّته، وحسبنا الله ونعم الوكيل، فإن الحمل على الشباب المعاصر أثقل مما كان عليه في العصور الخالية، وفي العقود القريبة، ولذلك فهو أولى بمجاهدة النفس وطرد الوساوس والهواجس، بكف البصر وشدة مراقبة الله تبارك وتعالى في السر والعلن.