لم يتوقف المسلمون الفاتحون عند الأندلس بل دفعهم الحماس لدينهم إلى عبور جبال البرانس الفاصلة بين الأندلس وفرنسا، وكان أول مَنْ فكر في هذا الأمر القائد العظيم موسى بن نصير، وظلت فكرة فتح فرنسا حلمًا يراود كل القادة المسلمين.
فلبوا النداء حين دعاهم للجهاد ونشر نور الإسلام، وجاء المجاهدون من كل حدب وصوب إلى القائد عبد الرحمن الغافقي الذي انطلق بجيشه اللجب من شمال (الأندلس) انطلاق الإعصار، وانصب على جنوب (فرنسا) من فوق جبال (البرنيه) كما ينصب السيل. ثم عبر بجيشه الجرار نهر (الجارون)، وطفقت كتائبه الظافرة تجوس مقاطعة (أكتانية) ذات اليمين وذات الشمال.
ثم اتجه المسلمون إلى مدينة (بوردو) كبرى المدن (الفرنسية) آنذاك، وعاصمة مقاطعة (أكتانية). وقد كان سقوط (بوردو) في أيدي المسلمين فاتحة لسقوط مدن أخرى كثيرة أهمها (ليون) و(بيزانسون) و(سانس)، وكانت هذه الأخيرة لا تبعد عن (باريس) أكثر من مائة ميل.
اهتزت أوروبا من أقصاها إلى أقصاها لسقوط نصف (فرنسا) الجنوبي كله في يدي عبد الرحمن الغافقي خلال بضعة أشهر، وفتح الفرنجة أعينهم على الخطر الداهم، ودب الصريخ في كل مكان يدعو العجزة والقادرين إلى الوقوف في وجه هذا الهول القادم من الشرق.
كان الجيش الإسلامي آنذاك قد بلغ مدينة (تور) طليعة مدن فرنسا؛ فما لبثت أن سقطت بين أيديهم على مرأى (شارل مارتل) ومسمعه..
ثم كانت معركة بلاط الشهداء في رمضان سنة 114 هجرية، حيث التقى المسلمون بقيادة عبد الرحمن الغافقي مع جيوش أوربا الجرارة بقيادة (شارل مارتيل)، ووقعت بين الفريقين إحدى المعارك الفاصلة لا في تاريخ المسلمين فحسب وإنما في تاريخ البشرية كلها.