المراد بفهم السلف للنصوص الشريعة هو ما علمه وفقهه الصحابة والتابعون وأتبعاهم من مجموع النصوص الشرعية أو آحادها مرادً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ مما يتعلق بمسائل الدين العلمية والعملية مما أُثر عنهم بقول أو فعل أو تقرير، بشرط عدم المخالف من نص أو قول مماثل.
وهذا يقتضي إجماعهم أو جمهورهم على تلك المسائل، أو انتشار قول آحادهم وظهوره مع عدم وجود مخالف منهم لذلك القول.
وهذا مما يُخرج اجتهاد أفراد الصحابة أو مَن دونهم، وما فهموه من بعض النصوص الشرعية، أو اختلفوا في فهمه، وتعددت آراؤهم، أو لم ينتشر ذلك عنهم، أو جانب الصواب فيها بعضهم، فهذا يُعد قولاً أو فهماً لبعض السلف، وليس هو فهم السلف والفرق بين الأمرين واضح.
قال البيهقي رحمه في الاعتقاد:234: “وإنما اجتمع أصحابه على مسائل الأصول، فإنه لم يُرْوَ عن واحدٍ منهم خلاف ما أشرنا إليه في هذا الكتاب، فأما مسائل الفروع فما ليس فيه نص كتاب ولا نص سنة فقد اجتمعوا على بعضه واختلفوا في بعضه، فما اجتمعوا عليه ليس لأحد مخالفتُهم فيه، وما اختلفوا فيه فصاحب الشرع هو الذي سوّغ لهم هذا النوع من الاختلاف؛ حيث أمرهم بالاستنباط وبالاجتهاد مع علمه بأن ذلك يختلف، وجعل للمصيب منهم أجرين، وللمخطئ منهم أجرًا واحدًا، وذلك على ما يحتمل من الاجتهاد، ورُفع عنه ما أخطأ فيه”.
وعليه ففهم السلف هو ما فهموه مراداً لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم من تلك النصوص، ومستندهم في معرفة مراد الرب تعالى من كلامه ما يشاهدونه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديّه، وهو يفصّل القرآن ويفسره. إعلام الموقعين 4/153.
فما أمرهم به فعلوه، وما نهاهم عنه تركوه، وما أخبرهم به صدقوه، وما أشكل عليهم فهمه سألوه، ويترتب على ذلك ما يلي:
1- التصديق به والإيمان والإذعان الكامل إن كان النص من الأمور العلمية الخبرية.
2- العمل به وتطبيقه قدر المستطاع إن كان من الأمور العملية الطلبية فعلاً أو تركًا.
3- تركه، وعدم التقرب إلى الله تعالى به إن كان قد سكت عنه الشارع مع وجود المقتضي.
وهذا يعني أنه يتعين على المسلم الحريص على دينه أن ينظر إلى ما فهمه من النصوص الشرعية دالاً على اعتقاد أو عمل فيعرضه على فهم السلف الصالح من هذه النصوص هل اعتقدوا ذلك أم لا، وهل عملوا به أم لا؟
فيحمد الله على الموافقة، ويستغفر الله من المخالفة فيراجع نفسه ويتهم علمه وفهمه، وهذا ما دلت عليه النصوص القرآنية والآثار النبوية والسلفية الحاثَّة على اتباع السلف رحمهم الله.
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: “فالذي يتعين على المسلم الاعتناء به والاهتمام أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله، ثم يجتهد في فهم ذلك والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق إن كان من الأمور العلمية، وإن كان من الأمور العملية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر واجتناب ما ينهى عنه فتكون همته مصروفة بالكلية إلى ذلك لا إلى غيره. وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان في طلب العلم النافع من الكتاب والسنة. جامع العلوم والحكم:79.
وقبله قال شيخه شيخ الإسلام رحمه الله لما سُئل عما يجب على المسلم اعتقاده في القرآن قال: الذي يجب على الإنسان اعتقاده في ذلك وغيره ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلمّ واتفق عليه سلف المؤمنين الذين أثنى الله عليهم وعلى من اتبعهم، وذم من اتبع غير سبيلهم” الفتاوى 12/235.
فالوقوف على فهم السلف الصالح هو المرحلة الثانية لطالب -الحق- بعد الوقوف على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ليضبط فهمه لهذه النصوص، ويسلم من الانحراف إفراطًا أو تفريطًا. (فهم السلف الصالح للنصوص الشرعية؛ د.عبد الله الدميجي).