بين الأوقاف والحبوس

الوَقْف لغةً: بفتحٍ فسكون: مصدر وقَفَ الشيء وأوقفه، يقال: وقف الشيء وأوقفه وقفاً أي حبسه، ومنه: وقف داره على الفقراء لأنه يحبس الملك عليهم، قال ابن فارس: «الواو والقاف والفاء أصل واحد يدل على تمكث في الشيء يقاس عليه»[1]، ومن هذا الأصل المقيس عليه يؤخذ الوقف، فإنه ماكث الأصل. فالوقف لغة: الحبس، والوقف والتحبيس والتسبيل بمعنى واحد، وهو: الحبس والمنع[2]، يقال: وقف وقفاً أي: حبسه، وشيء موقوف، والجمع وقوف وأوقاف مثل ثوب وأثواب ووقت وأوقات.
والفصيح أن يقال: وقفت كذا -من دون الألف- ولا يقال: أوقفت -بالألف- إلا في لغة تميمية وهي رديئة، وعليها العامة، وهي بمعنى سكت وأمسك وأقلع[3]. والحُبْس: بضم الحاء وسكون الباء بمعنى الوقف، وهو كل شيء وقفه صاحبه من أصول أو غيرها، يحبس أصله وتُسبل غلته[4].
والفقهاء يُعبّرون أحياناً بالوقف وأحياناً بالحبس، إلا أن التعبير بالوقف عندهم أقوى. وقد يُعبّر عن الوقف بلفظ الصدقة بشرط أن يقترن معها ما يفيد قصد التحبيس[5]. وجمع الحبس: حُبُس -بضم الباء- كما قاله الأزهري، وأحبُس بالألف أكثر استعمالاً من حبس[6]، على عكس (وَقَفَ)، فالأولى فصيحة، والثانية رديئة.
أما التعريف الاصطلاحي للوقف: فقد جاءت تعريفات الفقهاء للوقف متباينة، ويُعزى ذلك إلى الاختلاف في بعض شروط الوقف؛ فقد عرّفه الحنفية بأنه عبارة عن: «حبس المملوك عن التمليك من الغير»[7]. وعرّفه المالكية بقولهم: هو «إعطاء منفعة شيءٍ مدةَ وجوده، لازماً بقاؤه في ملك معطيها، ولو تقديراً»[8]. وعرّفه الشافعية بأنه: «حبس مالٍ يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح»[9]. وعرّفه الحنابلة بأنه: «تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة»[10]. والتعريف الأخير أجودها، إذ هو مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر -رضي الله عنه-: «احبس أصلها وسبل ثمرتها»[11]، «ويقصد بذلك حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد، والتصدق بالمنفعة على الفقراء أو على وجه من وجوه البر»[12].
ــــــــــــــــــــــ
[1] معجم مقاييس اللغة 6/135.
[2] ينظر: مادة (وقف)، القاموس المحيط للفيروز آبادي، 3/205.
[3] ينظر: القاموس المحيط 3/205.
[4] القاموس المحيط 2/205.
[5] كتاب شرح ألفاظ الواقفين والقسمة على المستحقين، للحطاب، ص11.
[6] تهذيب اللغة، للأزهري، 4/342.
[7] المبسوط، لشمس الأئمة محمد بن أحمد السرخسي، 2/27.
[8] شرح منح الجليل، لمحمد بن أحمد المالكي، 4/34.
[9] تحفة المحتاج بشرح المنهاج، لأحمد بن محمد بن حجر الهيثمي، 6/235.
[10] المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل الشيباني، لموفق الدين ابن قدامة المقدسي، 2/307.
[11] سنن النسائي، كتاب الأحباس، باب حبس المشاع، برقم 3607.
[12] الوقف في الشريعة والقانون، لزهدي يكن، ص7.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *