رسالة إلى مانعي البرقع… لن تترك النساء البرقع أو النقاب حتى يبيض القار! ذ. طارق الحمودي

فقد علمنا أن ثم قرارات بمنع بيع البرقع في المحلات التجارية في بعض المدن المغربية، ولست أعرف مستندا صحيحا لهذا، ولكنني أكتب هذا رسالة إلى كل من ظهر عليه العزم على منع المسلمات المغربيات من لبس البرقع والنقاب..:
اعلم أيها العازم على المنع هداني الله وإياك أن النقاب والبرقع وغيرها ألبسة كانت النساء ولا يزلن يلبسنها زيادة في التستر ورغبة في مزيد فضيلة، وهذا أمر ثابت في قلوبهن وعقولهن، وقد كان لبس البرقع خاصة عادة نساء العرب الكريمات، فقد روي أن ليلى الأخيلية أنشدت بين يدي الحجاج بن يوسف الثقفي قول توبة الحميري فيها من قصيدة له:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت *** فقد رابني منها الغداة سفورها
فقال لها الحجاج: يا ليلى، ما رابه من سفورك؟ فقالت: أيها الأمير، ما رآني قطّ إلا متبرقعة، فأرسل إليّ رسولا ًإنه ملمٌّ بنا -وقيل أنه جاءها بنفسه- فنظر أهلُ الحيّ رسوله فأعدُّوا له وكمنوا؛ ففَطِنْتُ لذلك من أمرهم، فلمّا جاء ألقيت بُرقعي وسَفَرْت فأنكر ذلك، فما زاد على التسليم وانصرف راجعاً.
وبلغ بهن التشبت به مبلغا طريفا، فروى السراج القاري في مصارع العشاق عن الأصمعي قال: «نظر أعرابي إلى أعرابية عليها برقع، فقال لها: ارفعي البرقع أنظر نظرةً! فقالت: لا والله، حتى يبيض القار!!!».والقار هو الفحم.
وكانت نساء القصر الكسروي يحرصن عليه، فقد ذكر برهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية «أنه لما جيء ببنات كسرى الثلاث عند فتح المدائن، فوقفن بين يديه وأمر المنادى أن ينادى عليهن، وأن يزيل نقابهن عن وجوههن ليزيد المسلمون في ثمنهن، فامتنعن من كشف نقابهن، ووكزن المنادي في صدره…».
ولسائل أن يسأل، ما البرقع؟ والجواب أن البرقع كما قال أبو البقاء العكبري في شرح ديوان المتنبي: «شيء تجعله نساء العرب على وجوههن شبيه بالنقاب، إلا أنه يغطي الوجه ويفتح فيه موضعان على قدر العينين»، ويجوز فيه ضم بائه وكسرها، وضم بائه وإضافة واو، فتقول: (برقوع).
وأما في الإسلام، فقد أقر الشرع لبسه، بل وجعله جزء من شعار أمهات المؤمنين الظاهر، واستقر لبسه عند كثير من الصحابيات وبعدهن نساء القرون اللاحقة، اقتداء بهن، وقد قالت عائشة للنساء يوما «أليس لكن بنا أسوة!؟»، وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني -وقد عاش في القرن التاسع أي في المائة التاسعة بعد الهجرة- أن ذلك كان عادة النساء فقال: «لم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الأجانب» فتح الباري.
وقال أيضا: «العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال».
وقال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: «وكذا عادة بلاد الأندلس لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة».
وقال الغزالي وقد عاش في القرن الخامس: «لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات» نقله عنه الحافظ في الفتح..
ومنهن النساء المغربيات المسلمات، إلى أن دخل المستعمر مخربا ومفسدا، يقول الدكتور مصطفى الحيا في مقال له في مجلة البيان عدد (203): «..ظلت المرأة المغربية لعهود طويلة تُعرف بزيها الأصيل والمحتشم الذي يشمل الجلباب والنقاب، لكن عندما خرج الاستعمار الفرنسي ترك نخبة تكونت بفرنسا فبقيت الحياة التنظيمية والعصرية مطبوعة بالطابع الفرنسي، فأثر ذلك على المظهر الخارجي للمرأة المغربية الذي أصبح مطبوعاً بالطابع الأوروبي».
اعلم أيها العازم على المنع وفقني الله وإياك لما يرضيه، أن المنع لن يزيد البرقع إلا انتشارا واشتهارا، ونصيحيتي لك أن تكف عن استفزاز المؤمنين، تحت مسوغات غير مستساغة، ودعوى أن المجرمين يستعملونه للتخفي دعوى مضحكة، لا يقبلها عاقل، فكف عن استغباء إخوانك المغاربة، فقد تولى زمن «الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري».
ها قد منعته فرنسا، ولا زال يلبس، بل انتشر لبسه أكثر، وجعل الله تعالى للفرنسيات الشقراوات المنتقبات من يؤدي عنهن العقوبة المالية على لبسه، وقد ضاقت فرنسا بذلك، وليس لها حيلت مع إصرار النساء على لبسه، فلا يستطاع منعهن من لبسه إلا بالقمع والإرهاب.
اعلم أيها العازم على منع البرقع رد الله بي وبك إلى الصراط المستقيم، أننا كنا نسمع أنكم تتهمون الرجال بفرض البرقع على نسائهم وبناتهم، وها أنتم أيها الرجال، تسعون لإكراه المنتقبات المقتنعات على خلعه، إياكم أن تفعلوا ذلك، فستجدون البرقع يدخل بيوتكم، وتلبسه بناتكم، وربما نساؤكم، وهو ما نرجوه لكم بكل صدق وإخلاص، فهل ستمنعوهن من ذلك؟
اعلم أيها العازم على المنع غفر الله لي ولك الزلات، أن المنع أولى بلباس العري والفضيحة، لا بلباس الستر والفضيلة، ومن لطائف مواقف علماء المغرب ما ورد في “تقييد في مضار التبرج” لأحمد بن الخياط الفاسي مطبوع على الحجر، سئل فيه عن خروج النساء خارج أسوار فاس متبرجات كاشفات الوجوه، مخالطات لمن لا خلاق له من الرجال، وهل يسوغ إقرارهن على ذلك أو يجب على ولاة الأمر حسم مادة هذا المنكر الفظيع والسلام؟
فاستنكر ذلك أشد الإنكار، ونقل عمل العلماء في فاس والمغرب على المنع من ذلك، وأوجب على ولي الأمر منع ذلك بما يقدرون عليه، وعلى العلماء باللسان والقلم، فأنت ممن ولي أمر المسلمين على قدر سلطتك، فلمَ لا تصدرُ منعا على الفتيان والفتيات من هذه العلاقات الثنائية في الشوارع والمدارس وغيرها ما أنتج القاصرات الحوامل، وأدخل الأذى على العوائل… إن كان ذلك في قدرتك.
كان الأولى أيها العازم على المنع -جعلني الله وإياك مفاتيح خير مغاليق شر- أن تمنع بيع ألبسة التبرج والفسق للنساء والفتيات المغربيات، حسما لمادة الفساد، ولو فعلتم، لكان ذلك منسجما مع الغيرة الرجالية الإسلامية، وهوية البلاد الإيمانية.
أقول لأمهاتنا ونسائنا وأخواتنا وبناتنا، احرصن على ما اقتنعتن به من الفضائل، فليس لأحد إجباركن على تركها، فقد ثبتت المرأة المغربية المسلمة في وجه المستعمر المفسد، وقاومت تغريبه للبلاد والعباد، وأنت خير خلف لخير سلف، اثبتي، واصبري، بل وقاومي ذلك بالدعوة إلى الفضيلة وسط النساء، ونشر الوعي فيهن، ولعل زيادة انتشار واشتهار البرقع بين النساء المغربيات سيكون أفضل رد على هذه المحاولات الساذجة.
اعلم أيها العازم على المنع علمني الله وإياك العلم النافع، أن هذه الممارسات لن تزيد أهل الفضل إلا صمودا وثباتا، وستكون السبب في مزيد من التلاحم والتوافق على مقاومة الفساد من كل وجه مشروع، ولن يثني هذا أهل الخير عن قصدهم الإصلاح ما استطاعوا، سواء كان ذلك في دكان أو برلمان أو ما فوق ذلك.
اعلم أيها العازم على المنع ختم الله لي ولك بالحسنى، أن المغربيات المسلمات لن يرين في تصرفك هذا إلا حربا على الإسلام، وسيصعب عليك إقناعهن بغير ذلك، مهما حاولت، فكف عن أذيتهن، والزم الحياد في ذلك، فالله غالب على أمره، ونسأل الله تعالى أن يكف أيدي كل من تسول له نفسه المس بالفضائل نصرة للرذائل، وأذية المسلمات المغربيات لإرضاء سواهن، اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *