الإجرام العسكري الفرنسي في إفريقيا قبل وبعد ما يسمى بالاستقلال إعداد: مصطفى الحسناوي

أربع عشرة دولة إفريقية هي نصيب فرنسا الاستعمارية من الكعكة الإفريقية، أربع عشرة دولة إفريقية كان نصيبها من شعار فرنسا الأجوف حرية عدالة مساواة، هو عبودية قهر عنصرية، أربع عشرة دولة ذاقت الويل والثبور وعاشت الخراب والدمار والاستغلال، لمدة قرن من الزمن وفرنسا تنهب ثروات مستعمراتها، وتقتل سكانها، وتجعل من أراضيها مصدر تموين لجيشها الاستعماري.
خلال الحروب التي خاضتها فرنسا في تلك الحقبة وخاصة الحربين العالميتين، كان سكان المستعمرات يساقون كالبغال لحتفهم لخوض معارك وحروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كان المواطنون من المغرب والجزائر وتونس والسينغال وتشاد والكامرون والجابون والنيجر وساحل العاج وموريتانيا والتوغو، وغيرها من المستعمرات، يقاتلون من أجل أصحاب العيون الزرق والبشرة البيضاء، وعلم الجمهورية الفرنسية الديمقراطية العلمانية، قهرا وجبرا.
فكانوا ككاسحة ألغام أمام الجيوش الفرنسية، لقد كانت فرنسا الإخاء والحرية والعدالة والقيم الإنسانية النبيلة ترى أنه بالإضافة إلى كون المستعمرات الفرنسية في أفريقيا مصدرا للدعم الاقتصادي فإنها يمكن أن تلعب دورا في تعويض النقص البشرى الذي تعانيه فرنسا في حروبها. وبالفعل فقد صدرت القوانين التي تنظم التجنيد في المستعمرات الأفريقية منذ سنة 1912. وتنفيذا لها ارتفع عدد القوات الأفريقية من 20 ألف جندي سنة 1913 إلى 225 ألف جندي، خلال الحرب العالمية الأولى مات منهم 25 ألفا في ميادين العمليات الأوروبية دفاعا عن فرنسا.
بعد قرن من الجرائم والاستغلال البشع للموارد الإفريقية الطبيعية والبشرية، جاء الاستقلال الصوري، حيث حصلت أغلب المستعمرات على ما سمي بالاستقلال السياسي بداية الستينات من القرن الماضي، لكن فرنسا احتفظت بتواجد عسكري من خلال قواعد عسكرية استراتيجية هامة في عدد من البلدان، لحماية مصالحها ومنشآتها، أو لحماية الأنظمة التابعة لها، أو لتنفيذ انقلابات وتدخلات عسكرية كلما اقتضت مصالحها القومية ذلك.
وقد أعلنت الحكومة الفرنسية ذاتها سنة 1964 أنها حالت دون وقوع 10 محاولات للانقلاب في الدول الأفريقية المرتبطة بها. وقد تضاعف سخط المعادين للوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا منذ تدخل القوات الفرنسية في الجابون في فبراير سنة 1964 عندما حاولت مجموعة من صغار ضباط الجيش الساخطين قلب حكومة الرئيس ليون مبا، فتدخلت القوات الفرنسية لقمع محاولة الانقلاب وإعادة الرئيس المخلوع إلى الحكم. وهكذا استمرت فرنسا في تدخلاتها العسكرية في مستعمراتها الإفريقية، بمعدل تدخل كل سنة لمدة 35 سنة حتى بعد ما سمي بالاستقلال.
لقد اختارت فرنسا منذ العام 1994، إستراتيجية جديدة سميت Recampتقوم الفكرة على تشكيل فيالق عسكرية بمختلف بلدان أفريقيا الوسطى والغربية، قادرة على التدخل لحفظ السلم.
أتاح هذا الوضع للجيش الفرنسي أن يتواطأ في آخر إبادة شهدها القرن العشرين، تلك التي كانت رواندا مسرحا لها. لكن تلك المأساة الرهيبة لم تؤد إلى أي رد فعل بهيئات أركان الأحزاب الحكومية، يمينا ويسارا.
وعلى نفس المنوال حاربت القوات الفرنسية مباشرة قوات المتمردين بتشاد طيلة أشهر، بهدف وحيد هو إبقاء الديكتاتور إدريس ديبي، مانعة عمليا أي حل سياسي. كما كان ذلك التدخل عنصر صراع في دارفور، لأن تشاد تساند المتمردين المعارضين للحكومة السودانية. كما جرى التدخل أيضا بجمهورية أفريقا الوسطى، حيث قام رجال كتيبة المظليين الحادية عشر بتأطير القوات المسلحة لأفريقيا الوسطى (Faca)، المتهمة بأعمال نهب، وإعدامات بلا محاكمة، واغتصاب، وقصفت بانتظام منطقة بيراو. وقد طبقت هذه السياسة في غياب أي تصويت، وأي رقابة، وأي نقاش، وأي إعلام، ودون أن ينصدم أي من أحزاب الجمعية الوطنية. الأمر في الواقع هين للغاية؛ يكفي في فرنسا، كي تشن الحرب في أفريقيا، أن يقال أن السلم وقف على تلك الحرب.
تجدر الإشارة إلى أن المواجهات التي تجري داخل الدول في أفريقيا غالبا ما تكون مطبوعة بتدخل الدول المتاخمة طرفا في الصراع، كما الحال في دارفور، حيث تقوم تشاد والسودان بمساعدة متمردي الطرف الأخر، أو بوركينا فاسو الداعمة لمتمردي شمال كوت ديفوار. وقد تدخل جهاز Recampفي ظرف 15 سنة من وجوده خمس مرات، ثلاثة منها بشكل هامشي.
وعلى العكس كان تابعا كليا لمتطلبات السياسة الفرنسية في جميع الحالات التي تدخل فيها بشكل مركزي. تعود أول تدخلاته إلى فبراير 1997 لتعويض القوات الفرنسية التي كانت إلى جانب الحرس الرئاسي. وكان دوره حماية الديكتاتور انج- فليكس باتاسي، المقترف لجرائم حرب.
وجرى التدخل الثاني في غينيا-بيساو، في العام 1999، بقصد الحلول مكان القوات السنغالية والغينية الداعمة للديكتاتور خواو برناردو فييرا.
لا يمثل Recamp غير عنصر ضمن عناصر أخرى في إستراتيجية فرنسا الاستعمارية. وتستعمله سواء لدعم أنظمة ديكتاتورية، أو إضفاء شرعية على وجود عسكر فرنسيين بأفريقيا، بمبرر التعاون.
كيف تمكن الثقة في التراتبية العسكرية الفرنسية، التي كونت كل الجيوش الأفريقية وغيرها من الحرس الرئاسي بمربعها، والتي تشكل خطرا حقيقيا على الشعوب وتطلعاتها؟
وإن الأمثلة الأخيرة لغينيا، وطوغو، و أفريقيا الوسطى، ناهيك عن رواندا والآن مالي، لجد معبرة على نحو مأساوي. وبمناسبة الإشارة إلى مالي، لا بأس من التذكير بأن الدول الإفريقية الداعمة للعدوان على الشعب المالي، كانت مستعمرات فرنسية لنحو قرن من الزمن باستثناء نيجيريا وغانا.
على أن الوجود العسكري الفرنسي لا يقتصر على القوات وحدها، سواء كانت متموقعة كما الحال في الغابون، وجيبوتي، والسنغال، أو مندرجة في إطار عمليات خارجية، كما الحال في تشاد -عملية ايبرفييه-، وطوغو- عملية ديتاير-، وخليج غينيا- عملية كوريمب-، وجمهورية إفريقيا الوسطى.
بل تشمل تنشيط شبكة المدارس الوطنية المختصة إقليميا (ENVR)، وهي مراكز تكوين مختصة في مجالات تمتد من إتقان الحفاظ على النظام، وتكوين أعضاء هيئات الأركان، كمدرسة أوايي بالكامرون، ومدرسة كوليكورو بمالي. وقد بلغ عدد هذه المدارس المقامة بأفريقيا الوسطى والغربية أربعة عشر. واستفاد من التدريب، في العام 2006، أكثر من 750 عسكري أفريقي، أغلبهم ضباط.
وأخيرا تجدر إضافة بعثات التعاون العسكري والدفاعي، الحاضرة في كافة السفارات. يشمل ذلك بأفريقيا أكثر من 300 ضابط من مختلف فيالق الجيش الفرنسي، علاوة على مصالح التعاون التقني الدولي في مجال الشرطة (STCIP) لا نشير هنا سوى إلى الجانب الرسمي، ونترك جانبا المرتزقة وغيرهم من المستشارين الإقليميين في أمن الرؤساء الأفارقة أو كبريات المقاولات الفرنسية، الذين غالبا ما يكونون من قدماء الإدارة العامة للأمن الخارجي DGSE ).( أو عسكريين من قيادة العمليات الخاصة (COS) .
كل هذا العمل الذي يُقدم على أنه تعاون، يستعمل بوجه خاص لتكوين الجيوش في المربع الإفريقي لفرنسا، ولتطوير روابط شكلية وغير شكلية بين “إخوة السلاح”، متيحا تأكيد تحكم القوة الاستعمارية القديمة بالدول الأفريقية. لضمان استقرار الأنظمة القائمة، والمحافظة على المصالح الفرنسية وتحقيق الأرباح الغزيرة لمقاولاتها وشركاتها.
وبشكل عام يجب ألا يُعتقد أن فرنسا مصدر سلام، أو دفاع عن الإرادة الشعبية، إنها تظل على العكس عنصرا زعزعة استقرار كبير في القارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *