بعد أن تحررت القارة الأفريقية من ربقة الاستعمار الانجليزي والفرنسي في خمسينات وستينات القرن الماضي، باتت القارة السوداء مقبلة على سباق استعماري جديد بين التنين الصيني الصاعد بقوة الصاروخ، وبين الإمبراطورية الأمريكية التي تسعى لتأمين مصادر جديدة للطاقة بعيدة عن المنطقة العربية.
السباق بين العملاقين، وإن كانت أولى مراحله تبدو وكأنها مجرد تنافس على مصادر الطاقة، إلا أنه يتوقع لها أن تنتهي بحرب عالمية تكون واشنطن في أحد طرفيها وذلك كما ذهب المحلل الأمني الأمريكي “مايكل كلير”، وتؤكده أيضا بيانات المجلس القومي الأمريكي للمخابرات الصادر في دجنبر 2001م الذي أشار إلى أن أمريكا ستحصل على ربع وارداتها النفطية من أفريقيا في عام 2015م.
أفريقيا.. ساحة صراع
أصدر مجلس العلاقات الخارجية وهو مركز للدراسات تقريرا حذر فيه الولايات المتحدة من مواجهة منافسة ضارية من الصين على إمدادات النفط من أفريقيا.. داعيا واشنطن إلى “انتهاج أسلوب استراتيجي تجاه القارة باستثمار المزيد من الموارد هناك”.
وقال المجلس: إن الأهمية الإستراتيجية لأفريقيا تتزايد خاصة بسبب إمدادات الطاقة وأنه يتعين على الولايات المتحدة تجاوز أسلوب التعامل مع القارة من منظور إنساني واعتبارها شريكا.
وأضاف التقرير الذي شارك في إعداده “أنتوني ليك” – مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق “بيل كلينتون”-: “بحلول عام 2010م ستعادل واردات النفط من أفريقيا للولايات المتحدة ما تحصل عليه من الشرق الأوسط”.
وفي الجانب الآخر، اعتبرت الصين منذ فترة ليست بالطويلة، القارة الأفريقية شريكا استراتيجيا في المستقبل القريب وهو ما عبرت عنه زيارة الرئيس الصيني “هوجينتاو” إلى إفريقيا خلال الفترة من 26 يناير إلى 5 فبراير 2004م، والتي مثلت مؤشرا دقيقا للتوجهات الصينية التي تسعى لإيجاد أسواق جديدة قادرة على استيعاب جزء من الصادرات الصينية والتي قدرت بـ 430 مليار دولار خلال عام 2003م، إضافة لحاجة الآلة الصناعية الصينية للمزيد من المواد الخام التي تتوافر في القارة الأفريقية بكثرة.
إلا أنه يجب الإشارة هنا إلى أن الرؤية الصينية لأفريقيا لا تختلف كثيرا عن تلك التي انتهجتها الدول الاستعمارية في فترة الفوران الاقتصادي، فمع النمو الاقتصادي المتسارع، بات الاقتصاد الصيني متعطشا بصورة كبيرة للنفط والمواد الخام، ومن ثم فإن “بكين” بدأت في تحويل تاريخ التعاون مع أفريقيا ومساندتها لحركات الاستقلال هناك، بدأت في تحويل ذلك إلى صفقات ملموسة في مجالات النفط والاستثمار.
هذه الحقيقة لا يقلل منها ما ذكرته وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا” في 27-12-2005م من أن الاستثمارات الصينية المتنامية في أفريقيا لا يحركها سوى النوايا الطيبة تجاه الأفارقة!
وفيما كانت الصين تزيد من استثماراتها في القارة الأفريقية؛ لم تجد الإستراتيجية الأمريكية سوى التشهير بالسياسية الصينية، حيث أبدت إدارة الرئيس الأمريكي “جورج بوش” قلقها من أن الصين تخطب ودّ دول وصفتها بـ “المارقة” في أفريقيا مثل السودان وزيمبابوي وتتجاهل سجلات انتهاكات حقوق الإنسان في هذه الدول لصالح علاقات اقتصادية أوثق.
الرؤية الأمريكية والصينية لأفريقيا لا تعني أنهما اللاعبان الرئيسان في القارة السمراء، ففرنسا لم تتخل بعد عن أطماعها الاستعمارية القديمة في القارة، فيما دخلت اليابان كطرف رابع في السباق المحموم، ويكفي أن نشير إلى أن المساعدات اليابانية لأفريقيا بلغت خلال العقد الأخير حوالي 12 مليار دولار.
خطوة أمريكية تسبقها خطوات صينية
يمكن القول أن “بكين” استفادت اقتصاديا من السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي “جورج بوش”، التي اتسمت بالعداء والغطرسة في التعامل مع القضايا الخارجية، خاصة “الإرهاب” الذي سيطر على الأجندة الأمريكية على حساب القضايا الاقتصادية الأخرى التي لقيت اهتماما أكبر من الرئيس الأمريكي السابق “بيل كلينتون”.
فقد أصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي في السودان، حيث أنفقت “بكين” نحو أربعة مليارات دولار في السودان مع بدء ظهور المخزونات النفطية الكبيرة خاصة في الجنوب، إضافة إلى مساهمة “بكين” في تشييد مصفاة نفطية في الخرطوم.
كما أصبحت الصين اللاعب الرئيس في الساحل الغربي لأفريقيا الذي يعد أغنى مناطق القارة بالنفط، ففي “انجولا” على سبيل المثال حيث أحجم بعض مانحي المعونة الدوليين عن تقديم مساعدات دخلت الصين ببرنامج قروض للبنية التحتية حجمه مليارا دولار ومرتبط بصفقات نفط. كما وقعت بكين صفقة نفط خام قيمتها 800 مليون دولار مع نيجيريا.
وفي جنوب القارة وثقت بكين علاقاتها مع نظام “روبرت موجابي” رئيس زيمبابوي الذي تعرض لحملات تشهير سياسية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
الأمر الذي أثار حفيظة “واشنطن”، التي بدأت في إعادة دراسة موقفها من القضايا الأفريقية، وهو ما عبرت عنه دعوة مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية إلى عقد منتدى أمريكي أفريقي للطاقة للترويج للتعاون وتطوير المشاركة بين القطاعين العام والخاص.
واقترح التقرير تعزيز التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في الدول الأفريقية المنتجة للنفط وأن تكون هناك زيارات على مستوى الوزراء لهذه الدول.
الخطوة الأمريكية التي لم تتجاوز بعد أدراج مراكز الأبحاث، سبقتها خطوات صينية على أرض الواقع، فمنذ ست سنوات وبالتحديد في عام 2000 تم إنشاء منتدى التعاون الصيني الأفريقي على المستوى الوزاري.
وقد تم في هذا المنتدى وضع أطر عملية للعلاقات الصينية الإفريقية من خلال ثلاث وثائق صدرت عن المنتدى وهي: إعلان “بكين” – برنامج التعاون الصيني الأفريقي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية – خطة عمل أديس أبابا.
وفي ضوء التسابق المحموم بين الصين وأمريكا على مصادر الطاقة في القارة الأفريقية نشرت مجلة “أسيا تايمز أون لاين” في خريف 2003م، حوارا مع المحلل الأمني الأمريكي “مايكل كلير”، مؤلف كتاب “حروب مصادر الثروة”، حذر فيه من التورط الأمريكي المحتمل في أفريقيا، وفي ردِّه على سؤال عن الهدف الأمريكي التالي الغني بالنفط بعد العراق، أجاب “كلير”: أرى أن أفريقيا ستكون هي الهدف, ستندلع الحرب هناك”، تصريح “كلير” جاء تأكيدا لما أعلنه “والتر كانستينر”، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية في مطلع فبراير 2002، من “أن النفط الأفريقي أصبح مصلحة إستراتيجية قومية لأمريكا”.