أعلن “توني بلير” رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في الثاني من غشت 2006 أن: “المنطقة العربية الإسلامية تحتاج إلى تغيير القيم الإسلامية السائدة، ومن ثم فإن الغرب -الولايات المتحدة وبريطانيا- أخطأ بالتركيز خلال السنوات الماضية على تغيير الأنظمة، لاسيما أن بعض هذه الأنظمة بدأ يستجيب لذلك المخطط إيجابيًا”، والعقبة الرئيسة -حسب بلير- أمام تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد المطلوب أمريكيًا وبريطانيًا وإسرائيليًا هي الثقافة العربية وعقيدتها الإسلامية.
لقد سعت الولايات المتحدة وصنيعتها إسرائيل لتحقيق مشاريع الهيمنة الأمريكية الصهيونية، رغم أنها باءت بالفشل ولكنها لا تكل ولا تمل من الالتفاف والسعي الحثيث لتحقيق أهدافها ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1- إحالة منظمة الأمم المتحدة إلى إدارة فرعية تابعة للإدارة الأمريكية.
وأيضًا ما يسمى بالشرعية الدولية، وإحالة مجلس الأمن الدولي إلى مجلس الأمن الأمريكي خاصة في عهد “كوفي أنان” طوال عشر سنوات “1997ـ 2006″، ومثال ذلك موقف “كوفي أنان” السلبي تجاه الهجوم الصهيوني الغاشم على قرية “قانا” اللبنانية، الذي خلف أكثر من 60 قتيلاً أكثر من نصفهم أطفال ولم يدن مجلس الأمن في قراره الكيان الصهيوني بسبب اعتراضات أمريكا.
وهنا نتذكر ما أقدم عليه د.”بطرس غالي” عندما نشر تقرير مبعوث الأمم المتحدة بشأن مذبحة قانا، والتي كشف الوجه القبيح للتحالف الإستراتيجي الأمريكي الصهيوني، وأيضًا في نوفمبر 2005 فشلت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التوصل إلى إجماع حول إصلاح وتوسيع مجلس الأمن وجعله أكثر فاعلية وأفضل تمثيلاً للدول الأعضاء، كما لم يحاول “كوفي أنان” السعي الدبلوماسي قبل قمة الألفية الثالثة المعقودة بالأمم المتحدة في سبتمبر 2005، لترتيب توافق الآراء بعد مشروع مجموعة الأربع “البرازيل والهند واليابان وألمانيا”، ومشروع الاتحاد الإفريقي ثم مشروع إيطاليا والمكسيك وباكستان، وبعد القمة تم إغلاق ملف توسيع عضوية مجلس الأمن حتى لا يعكر صفو الشهور الأخيرة “حتى نهاية ديسمبر 2006”.
2- تغليب الأمن الأمريكي على الأمن الجماعي وعلى “الشرعية الدولية” بعد تداعيات أحداث 11 شتنبر 2001، دون تبرير منطقي يتقبله الرأي العام العالمي أو حتى يقنع الدول الغربية الحليفة وأفصح الرئيس “بوش” وقتها عن مغزى هذا التوجه، قائلاً: إن بلاده لا تحتاج إلى موافقة الآخرين عندما تتعلق المسألة بالأمن وحماية الشعب الأمريكي، ولعل أبرز رد على مقولة “بوش”، جاء من الداخل الأمريكي عندما تحفظ “جيمي كارتر” على الذرائع التي قدمها “بوش” بشأن تقديم أو تغليب الأمن الأمريكي على الأمن الجماعي الدولي، وهي المسألة التي يمكن أن تقود الأمم المتحدة إلى التفكك والانهيار شأنها شأن عصبة الأمم من قبل.
3- استخدام حق النقض في مجلس الأمن “الفيتو” في كل ما يتعلق بإدانة الكيان الصهيوني ووقف عدوانه.
فمن بين 81 فيتو استخدمتها أمريكا في مجلس الأمن كان من بينها 41 فيتو لحماية الكيان الصهيوني ودعم إرهابه المنظم، وهو الـ”فيتو” الذي استخدم لمنع مجلس الأمن من تبني مشروع قرار تقدمت به الدول العربية “بمبادرة قطر” وكان يدين إسرائيل لارتكابها مذبحة بيت حانون في فلسطين، مما يعني تشجيع إسرائيل على مواصلة عدوانها على الشعب الفلسطيني، وكانت الحجة جاهزة هي حق الدفاع عن النفس لإسرائيل دون حقوق الآخرين، بل دفعها ذلك لمنع لجنة التحقيق الدولية في مجزرة بيت حانون من الدخول إلى غزة، كما سبق ومنعت لجنة التحقيق الدولية في مجزرة جنيين من الدخول للأراضي الفلسطينية المحتلة، ووقف الأمين العام للأمم المتحدة والشرعية الدولية المدعاة عاجزة عن فعل شيء، وأيضًا عدم تطبيق الكيان الصهيوني لأحكام محكمة العدل الدولية بخصوص عدم شرعية الجدار العنصري الذي ابتلع 58% من الأراضي الفلسطينية.
4- اتباع منهج الفوضى الخلاقة (creativ coaos) وإشعال نار الفتن بين طوائف الأمة لتجزئتها بما يخدم المصالح الأمريكية الصهيونية “فرق تسد”، وقد شاع مفهوم الفوضى الخلاقة لإيجاد حالة عدم الاستقرار المحكوم وأداتها في ذلك إسرائيل الخادم الحقيقي لمصالحها الإستراتيجية، وقد ظهر ذلك واضحًا في العراق بداية من نظام المحاصصة والفيدرالية التي وضعها الحاكم العسكري السابق “بول بريمر”، وما تزال تعمل أثرها بل نص عليها الدستور العراقي المؤقت ودعا لها أقطاب الحكم العراقي الحالي، وأيضًا إشعال الفتنة بين السنّة والشيعة، ومن أمثلتها ما دعت إليه وسائل الإعلام العالمية من زعم احتجاز شيعة في مدينة المدائن العراقية، وبعد اقتحامها لم يوجد أي أثر لتلك المزاعم التي تهدف إلى إشعال نار الفتنة بين السنة والشيعة.
5- السعي لتغيير القيم الإسلامية السائدة.
ففي يوم 2 غشت 2006 أعلن “توني بلير” رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “أن المنطقة العربية الإسلامية تحتاج إلى تغيير القيم الإسلامية السائدة، ومن ثم فإن الغرب -الولايات المتحدة وبريطانيا- أخطأ بالتركيز خلال السنوات الماضية على تغيير الأنظمة، لاسيما أن بعض هذه الأنظمة بدأ يستجيب لذلك المخطط إيجابيًا”، والعقبة الرئيسة -حسب بلير- أمام تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد المطلوب أمريكيًا وبريطانيًا وإسرائيليًا هي الثقافة العربية وعقيدتها الإسلامية.
6- دعوى نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان.
والتي تروجها الولايات المتحدة وهي أول من تخرقها في سجون العراق و”غوانتانامو” والسجون السرية في شتى أنحاء العالم، وأيضًا برامج التنصت على الاتصالات سواء المكالمات التلفونية للمواطنين الأمريكيين أو عبر المحمول والأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت، بل ويتناقض “بوش” مع تصريحاته حول حقوق الإنسان عندما يطالب سوريا الإفراج عن المعتقلين السياسيين، بينما يمارس أبشع أنواع التعذيب والسجون دون محاكمة في شتى السجون السرية بدعوى مكافحة الإرهاب.
التشخيص الأمريكي للعامل العربي
ما أكثر التقارير والدراسات الأمريكية حول تشخيص العالم العربي بعد دراسته دراسة مستفيضة لدعم اتخاذ القرار، ففي تقرير مؤسسة “راندا” الأمريكية أكد على حقيقتين هامتين الأولى مفادها تجمد المجال الليبرالي، والثانية تعثر مجال الديمقراطية، وذلك من شأنه الإضرار بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ومجمل التقرير حمل في طياته خمس نتائج رئيسة بالغة الأهمية نوجزها فيما يلي:
1- أن اقتصاديات البلاد العربية المنهارة من المحتمل أن تزيد من معدلات السخط الشعبي الموجه ضد الحكومات خاصة بعد فشل جهود الإصلاح الاقتصادي التي تبذلها الحكومات في خلق فرص عمل أو في جذب استثمارات أجنبية، ويمكن القول إن ديون الحكومات الثقيلة، والمبالغة في فرض الضرائب والفساد الحكومي هي الأسباب الرئيسة التي تمنع النمو الاقتصادي، وأن استمرار الانهيار الاقتصادي سوف يقلص من معدلات الثقة في القادة، وبالتالي عدم الاستقرار بالإضافة إلى زيادة البطالة مما يمثل أرضًا خصبة لنمو التيارات الأصولية الراديكالية.
2- إن القوات العسكرية في المنطقة -نظرًا للأوضاع السابقة- ستوجه جهودها لضبط الموقف داخل المجتمعات “قهر الشعوب” بدلاً من التفرغ للدفاع الخارجي عن الأمن القومي.
3- فيما يتعلق بتتالي الأجيال السياسية الحاكمة أي انتقال الحكم والسلطة فإن القادة الجدد من المحتمل أن يكونوا أضعف من الجيل السابق أو أقل استعدادًا للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية.
4- إن الشرق الأوسط منذ أواخر الثلاثينيات أصبح منطقة إستراتيجية كبرى لاكتشاف النفط بكميات هائلة في العديد من دوله، ومن هنا لم يكن من قبيل المصادفة التاريخية أن تبذل الولايات المتحدة الأمريكية كل جهودها لكي ترث الإمبراطورية البريطانية، التي كانت تحتل أو تسيطر على دول عربية عديدة.
5- إن ثورة الاتصالات من خلال الإنترنت وبرامج الفضائيات من شأنها أن تزيد الطلب على المشاركة الجماهيرية في سياسة الحكومات.