تكتسي مدونة الأسرة أهمية بالغة، لما تمثله من دور مهم في الحفاظ على لحمة المجتمع، وتحديد العلاقات بين مكوناته، كما تكتسب هذه الصفة لصلتها بالحياة اليومية للمواطنين، وملامستها لبنية المجتمع الأساسية والتي هي الأسرة.
ومدونة الأسرة في المغرب في خروجها الأول، بعد انقشاع غيمة الاستعمار، كانت قوانينها مستمدة من الشريعة الإسلامية، حيث أظهر العلماء آنذاك ممانعة شديدة لعملية فرنسة القوانين وعلمنتها سواء في فترة الاستعمار أو ما تلاها من فترات الاستقلال، وذلك لتشبث المجتمع المغربي بمبادئ الإسلام رغم سنوات المسخ الاستعماري الفرنسي، والطبيعة العنيدة للمغاربة، فروح التدين تأتي من قلب المجتمع، وتتماهى مع منظومة القيم الدينية والعرفية التي ألفها المغاربة منذ قرون؛ وهنا يصطدم التغول العلماني الذي يؤمن بالحقوق الكونية للإنسان جملة وتفصيلا مع صخرة المجتمع المتدين بطبعه رغم كل عوامل التعرية، ومحاولات العلمنة المترابطة والمتسلسلة التي تعرض لها منذ دخول أول جندي فرنسي استعماري للمغرب مرورا بزمن الاستقلال، ومجهودات الطابور الخامس من أبناء فرنسا، إلى يومنا هذا.
فدعاة مسخ مدونة الأسرة يجدون صعوبة في فرض قوانين من خارج النظام الاجتماعي العتيد، والتي تجد بالضرورة مقاومة شرسة من المواطن البسيط، إذا لم تكن تتماهى مع ما هو سائد من دين وأعراف وتقاليد.
لقد بلغ الشطط بأصحاب المرجعية العلمانية إلى حد الدعوة الصريحة لتنحية الشرع الإسلامي وتغييبه عن تعديل مدونة الأسرة، في مخالفة صريحة لما يدين به الشعب المغربي، وكذا لدستور البلاد، مدعين في ذلك أن المرجعية الإسلامية لا يمكن أن تفرز قانونا أسريا قادرا على احتواء وتدبير النزاعات الزوجية في القرن الحادي والعشرين!
فهذه النزاعات والتطورات، حسب الدين العلماني الجديد، هي القضايا المرتبطة بأبناء الزنى خارج مؤسسة الزواج، بالإضافة إلى الإرث، من مساواة، وتوريث الزوجة غير المسلمة من زوجها المسلم، بالإضافة إلي منع التعدد الزواجات، وتجريم زواج الفتاة التي يقل عمرها عن 18 سنة، والمساواة المطلقة بين الجنسين، والحضانة، والتخلص المطلق من المعجم الفقهي المستمد من الشريعة الإسلامية، بإهمال مصطلحات من قبيل “المتعة” و”الوطء” و”اللعان” و”القوامة” و”الهجر” و”الفراش” و”ابن الزنى”.. وغير ذلك، مع فرض قواميس جديدة تتساوق مع المواثيق الدولية الغربية بكل حمولتها الفلسفية البعيدة عن الشرع والدين.
كما تنشد الأقلية العلمانية فرض معتقداتها على السواد الأعظم من المغاربة، بالقوة وتهريب قوانين وجعلها أمرا واقعا يتحكم في “العقليات السائدة في المجتمع وطبيعة التمثلات حول المرأة والطفل” على حد تعبيرهم.
وتبقى مطالب اللادينيين في واد وحاجات المجتمع في واد آخر، حيث إن الغالبية العظمى من المغاربة يرون أن أي إصلاح لمدونة الأسرة يهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين في البلاد يجب أن يستند إلى الشريعة الإسلامية حسب استطلاع قام به مركز “أفروباروميتر“، وهي شبكة أبحاث إفريقية توفر بيانات موثوقة عن التجارب الإفريقية وتقييمات للديمقراطية والحكامة ونوعية الحياة في البلدان الإفريقية، كما أظهر نفس الاستطلاع تفوق هذا الرأي عن نسبة الراغبين في استناد التعديلات على الاتفاقيات الدولية الموقعة من قبل المملكة المغربية.
وأفاد الاستطلاع أن 78 بالمائة من المستجوبين شددوا على ضرورة استناد تعديلات مدونة الأسرة إلى الشريعة الإسلامية، ولاحظ الاستطلاع أن دعم الرجال لهذه الإصلاحات على أساس الشريعة بلغ 80٪ وأن عدد النساء المؤيدات له بنسبة 74 بالمائة، وسكان الريف 82٪، والمواطنون الأقل ثراء 81٪، وسكان الحضر 74٪، والأكثر ثراء 76٪.
فرغم المحاولات العلمانية المدفوعة والمشبوهة يبرهن الشارع المغربي، في كل مرة عن تدينه وارتباطه العميق بالإسلام، ورغبته في جعل القوانين صادرة ومستمدة من الشرع الحنيف.