إن الحديث عن الأثر السيئ للبدع في الأمة لا بد من أن يستهل بتحرير مصطلح البدعة، والمقصود في هذا المقام أن نبين ما إذا كان مصطلح البدعة مصطلحاً شرعياً تتعلق به أحكام وموجبات شرعية أم لا، إذ أنه من المقرر لدى العلماء أنه لا يجوز تعليق أحكام الشرع بما لم يجعله الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مناطاً لذلك.
هذا بالإضافة إلى أن تفاوت حد مصطلح البدعة عند البعض قد يوهم بوجود بعض التعارض في أقوال أهل العلم حول مسائل البدع، في حين أن تحرير هذا المصطلح تحريراً دقيقاً يرفع هذا الوهم بإذن الله تعالى.
تعريف البدعة
البدعة لغة: من بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه أنشأه وبدأه، والبدع الشيء الذي يكون أولا، (لسان العرب 8/6) ومنه قوله تعالى: “قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّن الرُّسُلِ”، والبدع بالكسر الأمر الذي يكون أولا (القاموس المحيط)، وبدع أبدع الشيء اخترعه لا على مثال (مختار الصحاح)، فمعنى البدعة في اللغة يدور حول الإحداث والأولية.
قال العلامة المالكي أبو بكر الطرطوشي: “أصل هذه الكلمة من الاختراع، وهو الشيء يحدث من غير أصل سبق، ولا مثلا احتذى، ولا أُلف مثله.
ومنه قوله تعالى : “بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ”، وقوله: “قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّن الرُّسُلِ”، أي لم أكن أول رسول إلى أهل الأرض.
وهذا الاسم يدخل فيما تخترعه القلوب، وفيما تنطق به الألسنة، وفيما تفعله الجوارح” (البدع والحوادث).
وأما في الاصطلاح فلقد وردت تعريفات عدة منها:
– أن البدعة “هي الفِعلة المخالفة للسنة، سميت بدعة لأن قائلها ابتدعها من غير مقال إمام، وهي الأمر المحدث الذي لم يكن عليه الصحابة والتابعون ولم يكن مما اقتضاه الدليل الشرعي” التعريفات للجرجاني.
– وعرفها الإمام الشاطبي رحمه الله بقوله: “البدعة إذن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه” الاعتصام 1/24.
– وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب” مجموع الفتاوى 4/67.
خصائص البدعة
بالتأمل في المعنى الشرعي للبدعة، يمكننا استخراج سمات البدعة وخصائصها، تلك الخصائص التي تفترق بها البدعة عما يشتبه بها ويقترب منها، وهي أربع خصائص:
الأولى: أنه لا يوجد في النهي عن البدعة -غالبًا- دليل خاص(1 )، وإنما يستدل على النهي عنها والمنع منها بالدليل الكلي العام.
الثانية: أن البدعة لا تكون إلا مناقضة لمقاصد الشريعة، هادمة لها، وهذا هو الدليل الكلي على ذمها وبطلانها، ولأجل ذلك وُصفت في الحديث بأنها ضلالة.
الثالثة: أن البدعة -في الغالب- إنما تكون بفعل أمور لم تعرف في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد صحابته رضي الله عنهم.
قال ابن الجوزي: “البدعة: عبارة عن فعلٍ لم يكن؛ فُابتُدع” (تلبيس إبليس).
ولذا سميت البدعة بدعة؛ فإن البدعة في اللغة: الشيء الذي أحدث على غير مثال سواء كان محمودًا أو مذمومًا، ومن هذا الوجه أطلق بعض السلف لفظ البدعة على كل أمر -محمودًا كان أو مذمومًا- لم يحدث في عهده صلى الله عليه وسلم، كما ورد ذلك عن الإمام الشافعي.
الرابعة: أن البدعة مشابهة -ولا بد- للأمور الشرعية ملتبسة بها.
بيان ذلك: أن البدعة تحاكي المشروع وتضاهيه من جهتين:
من جهة مستندها؛ إذ البدعة لا تخلو من شبهة أو دليل موهوم، فهي تستند إلى دليل يظن أنه دليل صحيح(2 )، كما أن العبادة المشروعة تستند ولا بد إلى دليل صحيح.
من جهة هيئة العبادة المشروعة وصفتها؛ من حيث الكم أو الكيف أو الزمان أو المكان، أو من حيث الإلزام بها، وجعلها كالشرع المحتَّم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) يستثنى من ذلك البدع التي نُهي عنها بأعيانها، وهي قليلة جدًا. انظر اقتضاء الصراط المستقيم.
([2]) وهذا الدليل لا يخلو أن يكون واحد من نوعين: إما أدلة عامة مطلقة، أو أدلة خاصة واهية.