رسالة عرفان إلى سماحة مفتي المملكة العام فضيلة الدكتور أحمد توفيق الأستاذ مصطفى فرطاوش

لعله بهذا العنوان أخلع لقب الإفتاء عن أي متطاول على حضرة العلامة الزاهد سيدي أحمد توفيق، لأقف في رسالة ملؤها العبرات وتتخلل سطورها الآلام لأتقدم بالشكر الجزيل للمقام العالي لمعاليكم عن الوقفة الشجاعة في وجه تفسير المغراوي لآية الطلاق المجيز للزواج من بنات التسع، وشجب مثل هذه التفسيرات وهذه الفتاوى التي تثير الفتنة، وتزعزع الاستقرار على حد زعم معاليكم.
لكن تساءلت كما تساءل غيري عن حيثيات وتوصيات البيان الذي حضرتم استصداره بصفتكم وزير شؤون الإسلام، بمعية رؤساء المجالس العلمية في مجلسكم الأعلى الموقر بتاريخ 21/09/2008 حول الموضوع المذكور آنفا. ولعلكم تبنيتم بل فرحتم بتوصيات البيان، لذلك أحببت منكم مزيد بيان لتنوير الرأي العام عبر وقفات أجملها في مسائل متوكلا على العزيز الجبار الذي لا يخفى عليه السر والجهار بالليل والنهار، فأقول وعلى الله التكلان:
المتأمل في التوصيات يجدها عارية عن الدلائل والبراهين التي تقيم صرحها، وهكذا بقيت خاوية على عروشها. عفوا سماحة المفتي لعلكم تقولون: إن مدارك العامة لا تصل إلى إدراك الدليل والحجة كما هو دأبكم في الشفقة على الأفهام. فأجيبكم وأنا واحد من الجماهير التي تتابع وسائل الإعلام سمعية وبصرية ومكتوبة، وما تتدفق به من زخم التحليلات والمعالجات والمساجلات غثها وسمينها مما صاغ العقليات ليجعلها تطالب بالدلائل والآيات. فاهنؤوا بالا معالي المفتي أنه قد ولى زمن تأسيس العقائد والعبادات والسلوكات عن طريق أقوال الرجال من أنظام وأنثار خاليات من أحاديث وآيات. وأصبحت ولله الحمد والمنة عملة التعامل في القضايا جميعها هي: ((قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)).
لعل هذه التوطئة المتفق عليها تكفينا منطق أهل الصوفية الأبرار وأنت واحد منهم: (كن بين يدي الشيخ والمفتي كالميت بين يدي مغسله، سلم ولا تناقش) . وبناء عليه فإلى مناقشة المسائل:
المسألة الأولى: جاء في البيان المذكور وصف المغراوي بأنه كثير الشغب على ثوابت الأمة ووحدة مذهبها. وعلى أساس ما سلمنا له في التوطئة فإن هذا الوصف مجاني محض، إما للجهل بالشخص ومنهجه المبثوث تأصيلا وتقعيدا في كتاباته ومساجلاته، أو لحاجة في نفس توفيق قضاها، فلا أدري سيادة الوزير أأنتم أقرب للأولى أم للثانية؟؟؟
وأعرفكم أو أعرفك أيها القارئ الكريم بشخص المغراوي وشغبه على الثوابت. أول أصل يدندن حوله المغراوي ويقرره هو طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه، ويرى ذلك عقيدة وديانة يتقرب بها إلى المولى، مما قد يكون لدى كثيرين تزلفا وتصنعا طمعا في أن تنهال عليه الدريهمات من متاع الدنيا الزائل.
وراجع على سبيل التمثيل مؤلف ‘عقيدة الإمام مالك’ للمغراوي تجده يفوح عطرا زكيا في ترسيخ هذا المعتقد لدى أفراد الأمة. وارجع غير بعيد للأحداث المشؤومة التي شهدتها البيضاء وغيرها من الانفجارات بسبب تفشي الفكر الخارجي الذي يدعو إلى التكفير. كيف تصدى له الشيخ الدكتور المغراوي ببسالة ورباطة جأش بالقلم والكلمة ومقارعة الفكر بالفكر، مما جعل أفراخ الخوارج يرمونه عن قوس واحدة بالعمالة والإرجاء، فما أشبه اليوم بالأمس. وما ندري أهو عميل للسلطان أم مشغب عليه؟؟ أفتونا مأجورين معالي الوزير.
وأزيدكم بيانا لشخص المغراوي حيث غدا اسمه في خضم قلاقل التكفير سؤال تمييز للطائفة الضالة عند رجال الأمن في معرض التحقيقات، وليس اسم أحمد توفيق. ولم نر منكم سماحة المفتي العام كتابات أو أشرطة أو محاضرات مركزة في المساجد والمنتديات، اللهم ما كان من تصريحات رسمية تتقاضون عنها راتبا يغني مشاريعكم معالي الوزير. ولولا مخافة الإطالة على حضرتكم سماحة المفتي لذكرت لكم نماذج من شغب المغراوي، عفوا من حرصه على أمن وأمان هذه البلاد ومقوماتها.
المسألة الثانية: تم حصر الفتوى فيمن تم تعميده من طرف الدولة وهذا قد يسلم به سيما في القضايا الكبار، أما الإجابة عن سؤال العامة والخاصة في قضايا الحيض والنفاس والطهارة والمواريث فهذا كما لا يخفى على فضيلة الفقيه توفيق أنه يتصدى له الكل في الداخل والخارج، بل تجرأ على الفتيا من ليس من أهل الاختصاص من الرياضيين والفنانين والسينمائيين وغيرهم ممن هب ودب من أصحاب: أرى وأعتقد ويظهر لي.. وهلم جرا، في قضايا لو عرضت على عمر رضي الله عنه لجمع لها فحول فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم. وما حركتم ساكنا معالي وزير شؤون الإسلام لإيقاف هذه الفوضى العارمة وهذه الجرأة العظيمة على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وأستميحكم عذرا سيادة الوزير أن الأمر تعدى تكميم أفواه السائلين وربطهم بجهة معينة في السؤال والفتوى، فالناس يستفتون ويسألون عن قضايا دينية ودنيوية عن طريق القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية في الشبكة العنكبوتية، فهذا مما لا يقدر على حصره واحتوائه إلا من خلال قوة الحجة، ومتانة الديانة، وصحة العدالة، مما هو موفور لديكم سماحة المفتي ولله الحمد!
المسألة الثالثة: تم التنديد باستصدار البيان المذكور حول بُضع امرأة ولم ينقل عنكم مثل ذلك في أعظم منها، فكم تجرأ بنو علمان المستغربون على نبي الأمة سيرا على سنن أسلافهم إخوة القردة والخنازير في الشرق والغرب، ولم تكتبوا ولم تسجلوا المحاضرات إلا النزر اليسير مما يدور في فلك الرسميات، فرحماك ربي رحماك.
فأينكم سماحة المفتي توفيق من الطعن على المسلمات وثوابت الأمة بحق، من حجاب العفيفات، وتعدد الزوجات، وسلامة المرجعيات، من قرآن وسنن ثابتات بالأسانيد الراسخات، كوجوب إعفاء اللحية وتقصير الثوب والسواك مما أصبح فاكهة أندية بني علمان يسخرون منها ويعتبرونها سفاسف وجزئيات، ويصفونها بالرجعيات والظلاميات تارة، ويشنون عليها الهجمات الشرسات تارة أخرى في زبُرهم ومنابرهم الإعلامية، وما رأينا وقفة لوزارتكم الموقرة وهي المعنية بنصرة ثوابت الدين وحفظ الشريعة على الأمة، فحركتكم مقالات الحيض في المنظمات الحقوقية للتنديد حول بضع أمة جاز نكاحه شرعا بالقرآن والسنة والإجماع، وعرفا بما يقدره القاضي حين الكفاءة والأهلية، فقمتم وقعدتم ونددتم، وما شجبتم أبضاعا تهتك بالسفاح والسحاق لبنات العشر ودونها وما فوق في أندية ليلية عليها الرايات الحمر يغشاها البيض والزرق، فاللهم لك المشتكى من انقلاب الأحوال في دنيا الناس.
المسألة الرابعة والخاتمة: أذكركم فضيلة الفقيه توفيق! بالموقف بين يدي الله تعالى غدا يوم العرض عليه حيث سيكون حجيجك المغراوي والآلاف من حفظة كتاب الله العزيز، فأعد الحجة للحجاج، وهيئ الإجابة عن السؤال عما توليته من أمور الديانة، وشؤون الرسالة، فإنك موقوف لا محالة ((وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)).
سماحة العلامة توفيق أذكركم الثانية -والذكرى لا يكبر عنها أحد- أن تجدوا المخارج لما تسببتم فيه من إغلاق دور القرآن المعمورة بالقرآن في شهر القرآن، في الدنيا قبل يوم المعاد، سيما وقد جاء إغلاق الدور المباركة على العباد والبلاد في العشر المباركات ولا زال الناس متضرعين باكين، قانتين راغبين، لرب السماء والأرض ساجدين، فكلِّي شفقة عليكم فضيلة العلامة الزاهد من كنانة سهام الليل لمظلوم أو مكلوم.
وإن انتسابكم لوزارة الإسلام يدفعني ثالثة لأذكركم -والذكرى تنفع من ألقى السمع وهو شهيد- بآيات من كتاب الله تعالى تشيب لها الولدان أختم بها مقالتي عساها تقرع الآذان وتوقظ الغفلان. قال تعالى: “وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ”.
وصلى الله على المبعوث بالمحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلى هالك والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *