احذر من الوقوع في الوساس والأوهام وعليك بالتوحيد الخالص

يعد هذا العصر عصر التقنية والانفجار العلمي والمعرفي، فقد تقدمت فيه العلوم والصناعات تقدماً مذهلاً، وأصبحت الدول الصناعية تتبارى في الاختراع والابتكار.. ومع ذلك كله فهذا العصر نفسه لم يخل من السحر والشعوذة والدجل، إضافة إلى رواج الكهانة والسحر والشعوذة بين أبناء الحضارة المادية المعاصرة بصورة لافتة للأنظار وهذا ليس بغريب، لأن الدين النصراني نفسه لم يسلم من المعتقدات الوثنية عندما انحرف به أتباعه عن الدين الصحيح، حيث أصبحت الكنيسة رمزاً من رموز الشرك والخرافة.. هذا فضلاً عن الإلحاد المطلق الذي يسيطر عملياً على العقل الغربي المعاصر.
ومع الأسف الشديد فإن بعض العقائد الوثنية والخرافية تسللت إلى فئام من أمة الإسلام، فانتشرت بينهم البدع والضلالات، وشابتهم شوائب الجهالة، حتى قدسوا القبور والأضرحة، وتعلقوا بالموتى، ولجؤوا إلى السحرة والعرافين والدجالين.. كل ذلك في غفلة من بعض العلماء وعجز من بعض الدعاة، نسأل الله السلامة.
إن الوساوس والأوهام أعراض لمرض خطير من ورائه أمراض: من اختلال التوحيد، وضعف التوكل، وافتقاد العلم النافع، فتختل لذلك الموازين، وبذلك يصبح القلب مرتعاً خصباً للوساوس والأوهام والترهات، وإلا فالقلب الممتلئ أياً كان نوع امتلائه لا يسمح لشيء جديد بالدخول، إلا أن يُخرِج شيئاً مما فيه، يقول ابن القيم رحمه الله في ذلك: “قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضدِّه، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات” (الفوائد).
إذا تقرر هذا فالموحِّد يعرف خالقه، ويعرف لماذا خُلِقَ، ويعرف المصير والمستقر، ويعرف أن الله وحده هو الذي يملك النفع والضر، ويعلم أن الله حي لا يموت والإنس والجن يموتون. وأنه لا أحد من إنسيّ أو جني يملك ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، إلا أن يشاء الله، لذا فالموحّد يعيش مطمئن النفس، وهو يعلم أنه ليس لأحد عليه من سبيل ولا سلطان، إلا أن يشاء الله، لقوله سبحانه: “إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ..” (الحجر)، ولقوله: “وَإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ” (الأنعام)، ولقوله رسوله الكريم صلى اله عليه وسلم: “يا غلام.. احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف”. (رواه الإمام أحمد والترمذي أنظر الصحيحة 5/381)
يقول ابن القيم رحمه الله: (وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله، تكونُ من جهة قلة دينهم، وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر، والتعاويذ، والتحصّنات النبوية والإيمانية، فَتَلْقَى الروحُ الرجلَ أعزلَ لا سِلاح معه، وربما كان عُرياناً فيُؤثر فيه هذا) (الطب النبوي).
ويقول في ذلك أيضاً: “وعِند السحرة: أن سِحرهم إنما يَتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة، والنفوس الشهوانية التي هي معلقة بالسّفليات، لهذا فإن غالب ما يؤثر في النساء، والصبيان والجُهال وأهل البوادي، ومن ضعُف حظه من الدين والتوكل والتوحيد، ومن لا نصيبَ له من الأوراد الإلهية، والدعوات والتعوّذات النبوية.
وبالجملة: فسلطانُ تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة التي يكون ميلُها إلى السّفليات، قالوا: والمسحورُ هو الذي يُعين على نفسه، فإنا نجد قلبه متعلقاً بشيء، كثيرَ الالتفات إليه، فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والالتفات، والأرواح الخبيثة إنما تتسلطُ على أرواح تلقاها مستعِدّة لتسلّطها عليها، بميلها إلى ما يناسب تلك الأرواح الخبيثة، وبفراغها من القوة الإلهية، وعدم أخذها للعدة التي تُحاربها بها، فتجدها فارغة لا عدَّة معها، وفيها ميل إلى ما يُناسبها، فتتسلط عليها، ويتمكّن تأثيرُها فيها بالسحر وغيره، والله أعلم) (الطب النبوي).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *