الحريات الجنسية وتقديس الأعضاء التناسلية نبيل غزال

الحريات الجنسية بهذا المفهوم اعتداء على المجتمع برمته؛ فمقابل قضاء شهوة أو نزوة عابرة لا تتعدى دقائق معدودة؛ وتحت غطاء (الحرية الجنسية)!!؛ يتكبد المجتمع خسائر فادحة وتبعات كبيرة؛ وتهدر حقوق آلاف الأطفال الذين يولدون خارج إطار مؤسسة الزواج؛ فلا ينعمون بالأمومة والدفء الأسري؛ ويعانون طيلة حياتهم من الإقصاء والتهميش

الشهوة الجنسية؛ أو ما اصطلح على تسميته اختصارا بـ(الجنس)؛ حاجة بيولوجية وغريزة فطرية؛ أودعها الله تعالى في الإنسان من أجل الحفاظ على النوع البشري؛ وإشباع شهوته؛ وهي علاقة بين الذكر والأنثى وضع لها الله سبحانه وتعالى نظما وحدودا محكمة تضبطها؛ حتى لا يطغى الإنسان في ممارستها؛ ويخرج بها عن الحفاظ على النوع البشري إلى هلاكه وشقائه.
وقد تعددت النظريات والفلسفات المادية في تحديد هاته العلاقة؛ وكان لنظرية فرويد الحيوانية؛ التي اعتبرت الجنس العامل المهم بل الوحيد المسيطر على كل تصرفات الإنسان؛ التأثير البالغ على تصورات وقيم وأخلاق المجتمع الغربي؛ وقناعات بعض من تأثر بأفكاره من أبناء المسلمين.
واليوم يطالب العلمانيون بحرية العلاقات الجنسية؛ ويشددون ابتداء على ضرورة ضمان ممارستها بين أي رجل وامرأة بلغا سن الرشد القانوني، شرط أن يكون من خلال التراضي بينهما ودون إكراه أو إجبار على ذلك؛ في أفق الوصول إلى حرية عيش رجل وامرأة في بيت واحد دون عقد زواج Concubinage؛ تماما كما هو الحال في الغرب.
فمن خلال تبني الفلسفات المادية؛ يرى بعض المنتمين لهذا التيار أن “إشباع الجنس يؤدي إلى التخفيف من القنبلة السكانية؛ فطالما الرجال يجدون الجنس أينما ذهبوا فلا يوجد لديهم رغبة في الزواج؛ وكذلك النساء؛ وهذا ما أدى مؤخرا إلى تناقص أعداد سكان المدن والدول التي يوجد فيها حريات وتسامح جنسي كبير وكثير” اهـ.
وقد استوقفني بالمناسبة كلام ورد في إحدى التعاليم الماسونية جاء فيه: (إن أمنيتنا هي تنظيم جماعة من الناس يكونون أحرارا جنسيا، نريد أن نخلق ناسا لا يخجلون من أعضائهم التناسلية..، لا بد من النصر المحقق، إذا استطعنا أن نغذي الشباب منذ سنوات أعمارهم الأولى بأسس هذه الآداب الجديدة، على الشباب أن يدركوا منذ ولادتهم أن أعضاء التناسل مقدسة). (جذور البلاء لعبد الله التل، نقلا عن Arnold Lease, Freemasonry, London 1935,P.20).
إن تقديس الأعضاء التناسلية أو الحريات الجنسية بهذا المفهوم اعتداء على المجتمع برمته؛ فمقابل قضاء شهوة أو نزوة عابرة لا تتعدى دقائق معدودة؛ وتحت غطاء (الحرية الجنسية)!!؛ يتكبد المجتمع خسائر فادحة وتبعات كبيرة؛ وتهدر حقوق آلاف الأطفال الذين يولدون خارج إطار مؤسسة الزواج؛ فلا ينعمون بالدفء الأسري والأمومة؛ ويعانون طيلة حياتهم من الإقصاء والتهميش؛ ويشكلون النسبة الكبرى من أطفال الشوارع؛ ويزج بهم إلى عالم الجريمة.
فهذا النوع من الحريات يستفيد منه تجار الرقيق الأبيض وقطاع واسع ممن يقتاتون على آلام الناس وأوجاعهم؛ ويجنون من وراء قطاع اللذة أرباحا كبيرة؛ لكنه بالمقابل يخلف وراءه آفات خطيرة وخطيرة جدا.
ويكفي أن نعلم فقط أنه في بلدنا هذا يولد يوميا 153طفلا خارج مؤسسة الزواج؛ ويتم التخلي عن 24 منهم في نفس اليوم؛ وأن الأمراض المنتقلة جنسيا آخذة في الارتفاع يوما بعد آخر؛ حيث تسجل سنويا 600.000 حالة إصابة جديدة بالأمراض المنقولة جنسيا، وهي أمراض تنتشر بشكل واسع بين الفئات الشابة بين سن 16 و30 سنة، و72 في المائة من النساء ينقلن هاته الأمراض بدورهن إلى أطفالهن بنسبة 48 في المائة من مجموع حالات النساء المصابات.
أما عمليات الإجهاض السري فوفق ما سجلته الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري فإن أكثر من 800 عملية إجهاض سري تجرى يوميا في المغرب؛ و42% منها تقوم بها عازبات؛ ويكفي أن نعلم -وفق بحث ميداني- أنه في مدينة الناضور وحدها 20 في المائة من المتعاطيات للدعارة قاصرات غالبيتهن تلميذات بالمرحلة الثانوية.
إنه وضع مخيف ومرعب جدا؛ ينذر بكارثة اجتماعية وبشرية ومادية واقتصادية وصحية…؛ ما يجعلنا ندرك بكل جلاء ووضوح خطورة الحريات الجنسية وفق التصور العلماني ومقدسي الأعضاء التناسلية. وأن مطالب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؛ وعدد ممن ينسبون إلى الثقافة والفكر وبعض الصحفيين؛ بإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي ينص على معاقبة جريمة الفساد وإقامة علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية؛ هي مطالب غير مبنية على تصور صحيح ورؤية استشرافية؛ تحترم الإنسان وتراعي مصالحه؛ وإنما على قناعات فلسفية مادية غربية يتعصبون لها؛ ويتركون وراءهم آيات بينات في محكم التنزيل، يقول الحق جل وعلا فيها: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} المعارج:29ـ30، ويقول سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} الإسراء:32.
فليست العفة تحريضا عموميا على معاكسة الطبيعة؛ كما قال فيلسوف الحداثة الملحد نيتشه؛ وإنما هي ضبط النفس عن الملاذ الحيوانية، والكف عما لا يحل ولا يجمل، والعيش وفق حدود تضمن لكل طرف حقوقه، وتفرض عليه واجبات، وتحجزه عن الإضرار بالآخرين.
ولا يعني اقتران (التسيب الجنسي) بكلمة (الحرية) أنه سيصير مقبولا ومستساغا داخل مجتمعنا؛ فلا أحد يقف ضد الحرية؛ أو يمنع تمتع الناس بها؛ وتنسم عبيرها؛ لكن الإسلام كان أكثر وضوحا وشمولية من كل فلسفة مادية أو مذهب وضعي؛ حيث أعطى الحرية وقيدها بالفضيلة حتى لا ينحرف الناس، وبالعدل حتى لا يجوروا، وبالحق حتى لا ينزلقوا مع الهوى، وبالخير والإيثار حتى لا تستبد بهم الأنانية، وبالبعد عن الضرر حتى لا تستشري فيهم غرائز الشر. كما قال الإمام السخاوي رحمه الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *