لكحل*: حقوق الإنسان في كونيتها غير قابلة للتجزيء، ووحدهم المسلمون الذين يتشبثون بالخصوصية لانتهاك حقوق الإنسان

أحيى العالم بأسره اليوم العالمي لحقوق الإنسان حيث حرصت الهيئات الحقوقية على تقديم حصيلة الحكومات على مستوى احترام وأجرأة هذه الحقوق كما هو متعارف عليها كونيا. وحدهم المسلمون الذين يتشبثون بالخصوصية، ليس لتكريس احترام حقوق الإنسان ولكن لخرقها بحجة أن من الحقوق ما يتعارض مع الإسلام. لكن حين الحديث في المحافل الدولية عن حقوق الإنسان نجد المسلمين، دون استثناء، يشيدون بكون الإسلام يحترم حقوق الإنسان، وهذا تناقض بين الدعوة إلى احترام الخصوصية، والادعاء باحترام الإسلام لحقوق الإنسان.
ويزداد التناقض فظاعة حين يستجير الإسلاميون على اختلاف تياراتهم وفصائلهم وأطيافهم، بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، إذا ما اعتقلوا أو مُنعوا من ممارسة أنشطتهم الدعائية أو تشكيل جمعياتهم؛ في هذه الحالة فقط تصبح حقوق الإنسان في بعدها الكوني مطلوبة وبإلحاح من هؤلاء الإسلاميين والسلفيين وحتى الإرهابيين.
وكل هذه الحقوق التي يطالبون الدولة باحترامها في حقهم يُنكرونها على غيرهم ويُكفرون من يطالب بها الدولة من بقية الهيئات والأحزاب والجمعيات والأفراد. هذا التعامل الانتهازي مع حقوق الإنسان لن يسمح للمسلمين عموما ولتيار الإسلام السياسي الانفتاح على قيم العصر وثقافة حقوق الإنسان.
فحقوق الإنسان في كونيتها غير قابلة للتجزيء ولا للاستثناء مهما تعددت الأعراق والأديان والإثنيات. والدين الإسلامي، ككل دين، قابل للاجتهاد بما يتوافق مع قيم وثقافة حقوق الإنسان. والمطلوب من المسلمين أن يرقوا بفهمهم للدين بما يساير عصرهم وقيمه وليس أن يضعوا الإسلام في تعارض مع العصر والقيم والحقوق.
من هذا المنطلق، ليس من المنطقي إخضاع حقوق الإنسان إلى نقاش وطني قصد إيجاد حد أدنى للتوافق؛ لأن هذا المنحى يكرس الخصوصية ويضرب في البعد الكوني لحقوق الإنسان.
فالمطلوب، إذن، هو أن الذين يناهضون حقوق الإنسان، أولئك الذين يتشبثون بالخصوصية، عليهم الانفتاح على ثقافة حقوق الإنسان وإعادة فهم الإسلام ونصوصه بما يجعله صالحا لعصرنا ولقيمه. فالعبودية والجواري وقطع الأطراف والفيء والسبي والجزية.. لم يقطع معها المسلمون بتحريض من الموروث الفقهي الإسلامي، ولكن بفعل تطور المجتمعات وتغير العقليات وضغوط الدول الأجنبية. وما وقع من تخل عن هذه الممارسات التي تجد جذورها في العقائد الإسلامية دون المساس بجوهر الدين وقيمه، يسري كذلك على قيم وحقوق الإنسان التي تستوجب من المسلمين تأهيل عقولهم واجتهاداتهم انطلاقا من مقاصد الشريعة وليس من فتاوى الشيوخ والفقهاء. فالمغرب صادق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والمواثيق الدولية ونص دستوره على تبني واحترام حقوق الإنسان في بعدها الكوني، وكل دعوة إلى التحفظ أو المراجعة أو الحوار حول ما تمت دسترته، فهي ردّة حقوقية وسياسية وحضارية .الشعوب والأمم تتقدم حين تحترم حقوق الإنسان، وعلى من يناهض حقوق الإنسان أو يتحفظ عليها أن يرقى بوعيه ليصير إنسانا في بعده الكوني وليس فقط مسلما بعقيدته. فكثير من الممارسات كانت تعتبر حراما في عصر ما أو ظروف اجتماعية ما وسرعان ما تم الإفتاء بإباحتها (الأحزاب، المشاركة السياسية في المؤسسات الدستورية، الانتخابات.. الحريات الفردية والجماعية).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سعيد لكحل حقوقي وباحث في الجماعات الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *