السلفيون وتهمة الطعن في الأئمة الأربعة مشهور حسن سلمان

الأصل في (الطعن) -لغة- أنه يكون في الأمر الحسي، وهو الطعن بالرمح، أو الحربة، أو ما في معناهما، ثم أطلق على الذّم، والهجو، والتكذيب، والتحقير القولي الذي يؤذي المطعون إيذاء نفسياً؛ كما أنه يؤذيه الطعن بالرمح، أو الحربة إيذاءً بدنياً.

فقولة صاحب الشبهة: (السلفيون يطعنون) قولة خاطئة؛ إذ حقيقة هذه المقولة طعن في الدَّعوة؛ لأن أصحاب الدَّعوة السَّلفيَّة يؤذيهم القدح في العلماء، كيف لا؛ وهذه الدعوة المباركة إنما مدارها وعمادها وأصلها على العلم، واحترام العلماء، وتقديرهم!!
فالسَّلفيَّون يقدّرون العلماء جميعاً ويعطونهم حقهم، وهم وسط بين فريقين: بين أهل التحرر ودعاة التقدم؛ الذين ينادون بالانسلاخ من الأصول والقواعد المتبعة عند الفقهاء في استنباط الأحكام، وبين قوم آخرين يعكفون على التقليد، والتعصب للمتون، والشروح، والحواشي، ويعاملون المتون معاملتهم للقرآن، فترى مثلاً في شرحٍ لكتاب من كتب العلماء، يقول الشارح:
لماذا قدم صاحب المتن كذا؟! ولماذا أخر كذا؟! ولماذا جمع؟! ولماذا أفرد؟!
فيُعاملون المتن العلمي كما يعاملون القرآن!! ولو أن صاحب المتن يسألُ لماذا جمعت؟ لقال: هكذا وقع في خاطري، وهكذا كُتِب!!!
أقول: السَّلفيُّون لا يتعصبون لإمام واحد، ويرون أن التعصب لإمام واحد والعمل المذهبي والفقه المذهبي فيه إهدار للآخرين، وهو في حقيقته طعن بالآخرين، بيد أنَّ السلفيين يعتمدون القواعد المستنبطة المقررة في كتب أهل العلم، ويعملونها معظّمين للدليل، فمن أعمل رأيه دون هذه القواعد، فإنما يهدم معالم المنهج المطروق عند العلماء المرضيّين.
وأئمة العلم -عند السَّلفيين- ليسوا منحصرين بأربعة، وإنما هم أكثر من ذلك، وإن كان للأئمة الأربعة -أصحاب المذاهب المطروقة- فضلهم وتقدمهم وعلمهم؛ وهم الإمام أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد -رحمهم الله تعالى-.
السَّلفيُّون يتبعون الدليل دون تعصب لأحد، وقد صرح بذلك الأئمة الأربعة(1)-أنفسهم-.
وأمّا الغمز، واللمز، والطعن بواحد منهم: فإنَّ السلفيين يتبرأون منه، ولكنهم عند بيان ما يخالف النصوص من أقوال العلماء فإنما يكون الرد للأقوال، والحطّ على ما يخالف الدليل دون أصحابها -ولا سيما الأئمة الأربعة- (الذين بلغوا القلتين فلم يحملوا الخبث).
وتظهر ثمرة هذا الأمر وبركته عندما نعلم مدى التعصب المذهبي الذي آل إليه الأمر عند المتأخرين.
ولا يخفى عليكم أن متأخري الشافعية كان الواحد منهم يجوّز أن يقول الرجل: (أنا مؤمن -إن شاء الله-) خوفاً من القطع بسلامة العاقبة، وتيمناً وتبركاً بهذه الكلمة، وأن متأخري الحنفية كانوا يقولون: «من قال: أنا مؤمن -إن شاء الله-» شك في إيمانه!! ومن شك في إيمانه كفر؟!! ولذا فرع متأخرو الحنفية على كلام الشافعية: هل يجوز للحنفي أن يتزوج الشافعية؟!!!
فأنصف -على حد زعمهم!- بعضهم فقال: «يجوز؛ إلحاقاً لهم بأهل الكتاب»!! فسبحان الله!
فالسَّلفيون ينكرون هذا، ويبرؤون إلى الله -عزَّ وجل- من مثل هذا.
وعجبي(!) لا ينتهي من أولئك الذين يطعنون في السَّلفيين؛ فيقولون: (إن السَّلفيين يطعنون بالأئمة)، مع أنّ هؤلاء الطاعنين يقولون بإغلاق باب الاجتهاد في المعاملات، والبيوع، والنوازل، والمسائل المستجدة.
وإن رأيت عباداتهم، ونظرت إلى أذكارهم وخلواتهم، وعلاقاتهم مع مشايخهم! فإن باب الاجتهاد عندهم مفتوح على مصراعيه؟!! لا يتقيدون بأثر، ولا ينتبهون إلى ما كان عليه السلف -رحمهم الله تعالى-؟!!
وفي الحقيقية؛ فإنّ للاجتهاد شروطاً، وليس له باب، والقول بأن للاجتهاد باباً: خرافة، بل للاجتهاد شروط؛ من توفرت فيه اجتهد، وقد قرّر أهل العلم أن الاجتهاد عند المتأخرين أسبابه أيسر منها عند المتقدمين(2)؛ ولكن العلة اليوم في الهمم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأخيراً؛ ينبغي أن يُعلم أن فضل الله -عزَّ وجل- لا يحصر في زمان ولا في مكان، ولا في عائلة، ولا في عشيرة.
والعجب يشتد أكثر فأكثر عندما نسمع من أصحاب (الفكر المستنير!)، الذين يطعنون في السَّلفيين بشبهة أننا نطعن في الأئمة!
وعندما ننظر في فتاويهم نجدهم منسلخين تمام الانسلاخ عن القواعد المتبعة عند الأئمة، ويفتون بخلاف المجمع عليه عند سائر الفقهاء -فضلاً عن الأئمة الأربعة-.
فالسَّلفيون إن اختاروا قولاً يخالف الأئمة الأربعة، فإنما يعملون بقواعد الأئمة الأربعة، ولا يتعدّونها، ويعدُّون هذه القواعد المستنبطة من الكتاب والسُّنَّة من المسلّمات، وإنما يتركونها لدليل لاح لهم ظاهر في الصحة، أو صريح في منطوقه، والله أعلم.
ثم -أخيراً-: السَّلفيون لا يجوّزون التقليد الأعمى، والسَّلفيون يَعُدُّون التقليد ليس بعلم، ويقولون: إن التقليد إن لجأنا إليه فهو كالميتة!
والسَّلفيون لا يُعمِلون الرأي، ولا يميلون إلى الاجتهاد الذي هو بتشديق الكلام، وتفريعه، ولكنَّ اجتهادهم في البحث عما كان عليه أسلافهم -من الصحابة وأتباعهم والتابعين لهم بإحسان وعِلْمِ فحسب-.
ثم إن السَّلفيين لا يرون التلفيق؛ فإن وجد أكثر من قول: فلا يتبعون الأشد، ولا الأخف، ولا يتبعون الأكثر، ولا يتبعون الأتقى، ولا الأورع(3)؛ وإنما يتبعون الدليل؛ فإن عُدِمَ الدليل فأسوأُ الأقوال عندهم التخيير؛ لأن الشرع حينما أمر الجاهل أن يسأل العالم، فإنما أخرجه من هواه إلى داعي مولاه، وحينئذٍ؛ ففي التخيير مع حصول الدليل؛ إعمال لباب الهوى.
ينبغي للمستفتي أن يسأل أعلم من يظن.
ثم إن للسَّلفيين قواعد متبعة موجودة، والخلاف فيها مستساغ، وهذا أمر مضبوط، محكوم لا يتسع المقام لسرده؛ لأن المقام مقام اختصار، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- كما ترى كلامهم مجموعاً على وجه فيه إفادة وإجادة في مقدمة شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله تعالى- لكتاب «صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم».
2- وقد ألف الصنعاني رسالة سماها: «إرشاد النقّاد إلى تيسير الاجتهاد».
3- أي: في عُرف بعض الناس، -وقبل الترجيح!-، فيقولون: هذا أورع، وهذا أحوط، وذلك أتقى؛ فاتّباع الدليل ومعرفة النص والعمل به هو الورع كله، والتقوى كلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *