عندما قام الكيان الصهيوني بتنفيذ عدوانه على الفلسطينيين والمسمى أمطار الصيف، تجاهل مجلس الأمن والأمم المتحدة هذا الموضوع ولم يتحرك أحد لوقف العدوان أو حتى مجرد إدانته، وكان هذا معناه أن الأمم المتحدة يمكن أن تقف متفرجة على ذبح شعب وتدمير حضارته وثروته، وتكرر نفس الأمر عندما قام الكيان الصهيوني بعدوانه على لبنان وكان عدواناً يستهدف تدمير البلد بالكامل، وليس القضاء على قوة “حزب الله” الرافضي فحسب، إنها ليست حربا بل هي عملية تدمير بلد بالكامل على حد قول عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية، ومع ذلك تباطأ مجلس الأمن متعمداً في اتخاذ قرار أو موقف، تاركاً الفرصة كاملة للكيان الصهيوني لتحقيق أهدافه، ولكن المسألة وصلت إلى حد المأساة أو الملهاة عندما نفذت الطائرات الصهيونية مذبحة للمرة الثانية في غضون عشر سنوات في بلدة “قانا” راح ضحيتها 60 قتيلاً من الأطفال والنساء، وهي مجزرة ليس لها أي مبرر عسكري أو سياسي، ولا يمكن إلا أن تكون عملاً من جرائم الحرب بامتياز، بل هي نوع من القتل للقتل، وكأننا أمام أفعى سامة أو ذئب جائع متعطش للدماء، ومع الإجماع العالمي على أن هذا العمل جريمة حرب، فإن مجلس الأمن فشل في الإجماع على إدانة مذبحة “قانا” واكتفى بالأسف العميق للخسائر البشرية، وكأن هؤلاء القتلى قد قتلوا أنفسهم أو سقطوا في حادث سير مثلاً، المجلس لم يتطرق إلى توجيه أي نوع من اللوم للكيان الصهيوني بل إنه أظهر تعاطفه مع الضحايا من المدنيين و”الإسرائيليين” على حد سواء، وهكذا فنحن أمام استخفاف خطير بعقولنا، واستخفاف بالدول العربية والإسلامية يقتضي بالطبع على أقل تقدير الانسحاب من تلك المهزلة، حتى لا نكون شهود زور على أنفسنا، وليكن هذا الانسحاب جماعياً من كل الدول العربية والإسلامية وهذا أقل ما يمكن اتخاذه من موقف حيال هذا الاستفزاز الدولي لمشاعر العرب والمسلمين.
في الحقيقة فإن “كورت فالدهايم” السكرتير العام الأسبق للأمم المتحدة قد وصف الأمم المتحدة بأنها آلية للكذب من أجل السلام.. وهذا التعبير من مسؤول سابق عن تلك الأمم المتحدة، يفتح الطريق وينير البصيرة عن فائدة هذه المنظمة ودورها السابق والحالي واللاحق ووفقاً للطريقة التي تم إنشاؤها بها، والمفروض أنها تجمُّع يضم جميع دول العالم “191 دولة حالياً” وتسعى لنشر الأمن والسلام وحل النزاعات وتحقيق العدل، فإن شيئاً من ذلك لم يحدث قط، اللهم إلا إن توافقت مصالح الكبار أو جاء الحل وفقاً لمحصلة هذه المصالح. وهذا يرجع إلى طبيعة وبنية الأمم المتحدة التي تتكون من هيئتين رئيسيتين هي الجمعية العامة التي تضم كل الدول ولكن قرارها استشاري، أي لا قيمة عملية له، فما هي إلا مكملة في النهاية، ومجلس الأمن الذي يحظى بسلطات حقيقية وفقاً للمادة الثانية من ميثاق مجلس الأمن، ولكن هذه السلطات محكومة بإرادة 5 دول فقط من العالم هي الدول الكبار صاحبة حق “الفيتو” بالإضافة إلى 10 دول لها صوت في مجلس الأمن تتغير كل عامين وهي لا تملك حق “الفيتو” -الاعتراض- أي عملياً فإن أي قرار لا يروق أو كان لا يروق لأي من الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد السوفيتي السابق “روسيا حالياً” وبريطانيا وفرنسا والصين فإن أي قرار لا يروق لإحدى هذه الدول صاحبة حق “الفيتو” لم يكن ليمرّ، بل أكثر من هذا تم التلاعب ببعض هذه القرارات بل لم تكن لها صفة الإلزام بالقوة كما في القرار رقم 242 الخاص بانسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي المحتلة في عام 1967م، وهكذا فإن أي قرار كان لا يروق للكيان الصهيوني فإن الولايات المتحدة كانت تعترض عليه بحق “الفيتو”، وإذا مر القرار كان ضعيفاً ويمكن أيضاً للكيان الصهيوني أن يتجاهله دون أن يترتب على ذلك أي عقوبة عليها أو تدخل عسكري ضدها، وهكذا فإن القرارات التي صدرت من الأمم المتحدة كرست للاعتراف بالكيان الصهيوني حال نشأته، أو جاءت ضده في أشياء جزئية ومع ذلك لم يتم احترامها، أو جاءت أصلاً من الجمعية العامة للأمم المتحدة فكانت بلا قيمة حقيقية وهكذا كانت الأمم المتحدة منذ نشأتها عبئاً بلا قيمة وعاملاً سلبياً بالنسبة للعرب والمسلمين.
وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك المنظومة الاشتراكية وغياب الاستقطاب الدولي، وانفراد أمريكا بالهيمنة على العالم فإن الأمم المتحدة لم تعد فقط عبئاً على العالم العربي والإسلامي تحديداً، والعالم عموماً بل أصبحت أداة في يد أمريكا تحركها كيف تشاء وتستخدمها في تغطية أعمالها الإجرامية، وعلى حد قول الخبير الدولي “جورج أبي صعب”: “فإن الأمم المتحدة تحولت إلى مجرد كناس يطلب منه أن يقوم بتنظيف القذارة التي تسببها أمريكا في العالم”.
وإذا أخذنا قضايا العرب والمسلمين كمعيار ومقياس لتحديد دور منظمة الأمم المتحدة، نجد أن القرارات التي صدرت لصالح العالم العربي والإسلامي تم تجاهلها ولم تنفذ “قرار حق تقرير المصير لشعب كشمير”، أو قرار 242 الخاص بالانسحاب “الإسرائيلي” من أراضي 1967م أو قرار 338 في نفس الموضوع، أو قرار عودة اللاجئين وحتى قرار 425 الخاص بالانسحاب “الإسرائيلي” من لبنان تجاهله الكيان الصهيوني 20 عاماً، ولم تنسحب من لبنان وفقاً لهذا القرار بل تحت ضغط المقاومة اللبنانية، وفي نفس الوقت فإن القرارات ضد العرب والمسلمين تم تنفيذها بالقوة أو بالضغط من أمثال قرارات العقوبات على ليبيا أو السودان أو سوريا.. الخ.
ولعل القرارات الخاصة بالعراق بدءاً من قرار التدخل العسكري ثم العقوبات منذ عام 1991م والتي أدت إلى موت نصف مليون مواطن عراقي وإفلاس العراق، ثم التدخل الأمريكي في العراق والعدوان عليه وغزوه واحتلاله عام 2003م بتفسير أمريكي لقرار مجلس الأمن، ثم صدور قرار مجلس الأمن بالاعتراف بالاحتلال الأمريكي في العراق، وتحويل إسم قوات الاحتلال إلى ما يسمى بقوات متعددة الجنسيات هي حالة واضحة لمدى الظلم الذي يقع على العرب تحت عنوان قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية، مع العلم أن الكيان الصهيوني يقوم بكل الممارسات الاستفزازية من إبادة وقتل وتدمير الأرض والبنية، تحت مسمع وبصر الأمم المتحدة ولا أحد يتحرك.
وهكذا فرغم الصعوبات التي تعتري مجرد التفكير في الانسحاب من منظمة الأمم المتحدة والتي يمكن أن تصل إلى حد الاستعمار العسكري وحتى لا يتحول العرب والمسلمون إلى شهود زور على أنفسهم في تلك المنظمة التي قسمتهم واستباحت دينهم وأرضهم باسم السلام العالمي، يبقى من الحكمة إعادة التفكير في الانتماء إلى تلك المنظمة وطرح السؤال حول جدواه للنقاش بين علماء الأمة وليس بين الغوغاء من العلمانيين والمستغربين الذين يسارعون فيهم ويقولون نخشى أن تصيبنا دائرة.
وعند انسحاب الدول العربية والإسلامية فإن حالتها لن تكون أكثر ضرراً وسوء بل ستتميز الأمور فيما لو وقع العدوان إذ لن يكون باسم الشرعية الدولية، أو على الأقل إذا وقع عدوان على دولة عربية أو إسلامية فإنه لن يكون باسم باقي الدول العربية والإسلامية المشاركة في تلك الهيئة المشئومة المسماة بالأمم المتحدة.