في الوقت الذي صعّد فيه نشطاء الحراك الاجتماعي في منطقة الريف بتنظيم مجموعة من المسيرات والوقفات الاحتجاجية، خرجت أحزاب الأغلبية الحكومية، لتؤكد أن المغرب لا يمكنه أن يتسامح مع المس بالثوابت والمقدسات الوطنية، من خلال الركوب على مطالب اجتماعية لسكان إقليم الحسيمة بشكل يمس بالوحدة الترابية ويروج لأفكار هدامة تخلق الفتنة في المنطقة.
أحزاب الأغلبية أكدت عقب اجتماعها مع وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت حول «مستجدات الأوضاع بإقليم الحسيمة»، أن الاحتجاجات الاجتماعية يجب أن تكون في إطار القانون مع عدم الإضرار بالمصالح العامة والخاصة والممتلكات العمومية والخصوصية، وكذلك الحذر من أي علاقات بالخارج والدعم الذي يقدمه، مؤكدة أن «هذه أمور لا يمكن للمغرب أن يتسامح معها».
رئيس الحكومة سعد الدين العثماني صرح في هذا الإطار بأن «المطالب الاجتماعية للساكنة لا بد من تلبيتها والاهتمام بها وليس فقط في إقليم الحسيمة، وإنما أيضا في مختلف الأقاليم أو الجهات التي شهدت تأخراً في الأوراش التنموية لأسباب متعددة».
وأبرز أن التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية يجب أن يكون في إطار القانون، مؤكداً أن الحكومة ستحاول ما أمكن من تسريع أوراش البرنامج الذي أشرف على إطلاقه العاهل المغربي محمد السادس والذي يحمل اسم «الحسيمة، منارة المتوسط».
ورداً على اتهامات السلطات المغربية نشطاء الريف باستغلال المطالب الاجتماعية بالدفع نحو نشر الفكر الانفصالي، قال صبحي بوديح، ناشط في الحراك الشعبي بالريف، في تصريح إعلامي: «سبعة أشهر تمر والمحتجون بعشرات مداشر الريف يخرجون إلى الفضاء العام للدفاع عن ملف مطلبي ذي طبيعة اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية بإمكانياتهم الذاتية وباقتناعهم المبدئي بشرعية مطالبهم وباعتبار أن الدولة مسؤولة عن تأهيل المواطن عبر تحسين وضعه المعيشي».
وأضاف أن الملف المطلبي الذي سطره الحراك الشعبي بالريف سواء في الحسيمة أو الناظور أو عشرات القرى والمداشر الريفية من خلال مجموعات عامة جماهيرية تم نقلها مباشرة عبر الشبكات الاجتماعية لا تتعدى إنشاء مستشفيات، وتطوير البنية التحتية، وتشجيع الاستثمار لامتصاص البطالة، وإطلاق مسلسل مصالحة حقيقية مع الريف عبر جبر الضرر الجماعي لأن المنطقة عرفت تهميشاً عمدياً ومقصوداً منذ ستة عقود».
وأشار الناشط الريفي إلى أن الحراك الشعبي بالريف، يؤطره مبدآن رئيسيان، السلمية، باعتبار أن مئات الاحتجاجات الميدانية لم تعرف لا اعتداء على الأغيار، ولا تخريبا للممتلكات العامة، ولا مساسا بالأمن والاستقرار العام، فالمحتجون -كما يقول- هم من كان يحمي المنشآت العمومية بما فيها الإدارات الأمنية والمحاكم والأبناك، والمبدأ الثاني يتمثل في واقعية المطالب، بحيث جميع النقاط المسطرة في الملف المطلبي ممكنة التحقق أولا، وشرعية ثانيا، ولا تطالب إلا بإطلاق خطة تنموية تقطع مع الاقصاء والتهميش.
وفي السياق ذاته أعرب عبد السلام بوطيب، رئيس «مركز الذاكرة المشتركة من أجل السلم والديمقراطية»، أن الحل «لمعضلة الريف اليوم» ثنائي، فالأول يجب أن نبحث عنه لدى الدولة، والثاني يجب أن نبحث عنه في إطار استمرار المصالحة مع المنطقة في الشق المتعلق بجبر الضرر الجماعي.
وقال بهذا الخصوص: «على الدولة والحكومة أن تتفاعل ايجابيا مع المطالب الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والأمنية للساكنة، وأن لا تقدم لهم أي وهم، لأن ذلك سيعمق المشاكل في المستقبل القريب، وستكون عواقبه وخيمة. وأن تستمر في النقاش مع المؤسسات السياسية و النقابية والمدنية بحثاً على تعاقد جديد بين الدولة والمجتمع».
وفي الشق المتعلق باستمرار مسلسل المصالحة والبحث عن السبل الأنجع لجبر الضرر الجماعي، يقول بوطيب: «إنه من الضروري إطلاق ورعاية نقاش محلي واسع بين النخب السياسية والمدنية والأكاديمية والتربوية والمالية والاقتصادية والمؤسسات الحقوقية والاقتصادية الوسيطة حول أنجع السبل لإخراج المنطقة وساكنتها من الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الحالية، وهو نقاش يجب أن يكون بمثابة الشوط الثاني من نقاش جبر الضرر الجماعي للمنطقة، مع ربط التنمية بالحكامة الأمنية».
وفي المقابل، قال محمد ساجد الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري (أغلبية) إن «هذه المطالب التي كانت في البداية مشروعة، «تحولت في الآونة الأخيرة إلى مطالب تمس بثوابت البلد»، مؤكداً أن الحزب يطالب بتطبيق القانون في حق النشطاء «الذين يقومون بهذه الأعمال التي تخرب وتشكك في الوحدة الترابية للمملكة».
من جانبه، أكد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ادريس لشكر، أن المطالب والاحتجاجات تؤطرها وسائط البناء المؤسساتي في البلاد التي تخضع للقانون، معتبراً أن كل تعبير يخرق القانون أو يمس بالأملاك العامة أو بحريات الآخرين لا يدخل أبدا في إطار دولة المؤسسات والقانون التي يجب أن تحمي الحقوق والحريات في إطار الواجب المفروض.
وقدم وزير الداخلية، خلال الاجتماع المذكور، تقريراً شاملاً حول الأحداث الأخيرة الناجمة عن نشطاء في الحسيمة، واستعراض التدابير المناسبة للمواجهة الحازمة لأي تصرف من شأنه أن يقوض النظام العام، على حد تعبيره. وأكد أن «الاعتصامات والتظاهرات العنيفة المدبرة في الآونة الأخيرة في هذه المدينة، لا تستند على أسباب وجيهة».
وعن الحركة الشعبية قال سعيد أمسكان، عضو المكتب السياسي، أن حزبه بقدر ما هو مع المطالبة بكل حق مشروع من طرف المواطنين بقدر ما يرفض ويدين كل ما من شأنه أن يمس بالثوابت والمقدسات أو بتماسك الأمة ووحدة الوطن، مضيفا أن هذا موقف جميع المغاربة من دون استثناء.
رشيد الطالبي العلمي، وزير الشباب والرياضة، وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، لم يتردد في وصف نشطاء الريف بالعناصر المسخرة، التي تتلقى تمويلا أجنبيا من الخارج، ومن خصوم الوحدة الترابية.
وكان والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، محمد اليعقوبي، قد اعتبر أن الصورة التي يتم ترويجها من طرف بعض وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي عن الحسيمة كمدينة «مشتعلة»، هي «تضليل حقيقي»، الغاية منه تغليط الجمهور الواسع وتبخيس الجهود التنموية الجبارة التي بذلتها الدولة في السنين الأخيرة.
وقال إن «هناك فعلا تظاهرات بالحسيمة على غرار مدن أخرى بالمملكة، وفي كل البلدان الديمقراطية، لكن ممتهني التحريض يحاولون إعطاء صورة خاطئة عن المدينة، والاستجابة لمخطط محركي هذه التظاهرات».