الاختراق الغربي-العلماني لمجال التربية والتعليم في البلدان الإسلامية

“هناك حالياً اتجاه يسرف في الحكم على الدول وفقاً لعدد دباباتها وطائراتها المقاتلة! والواقع أن كَمَّ وكيف التعليم هو الذي سيكون العامل الأكثر حسماً في المستقبل القريب.. فليست المعركة العسكرية هي التي ستحدد مصير الأمم الصغيرة والمتوسطة في العالم، بل إن الذي سيفعل ذلك هو النمو الفكري والفني الدائم للأفراد”. (“ألبرت ميرجلان” خبير الاستراتيجية الدولية)

إذا كنا بصدد الحديث عن الحصاد العلماني في مجال التعليم فلا يمكن عزل التعليم اليوم عن بقية أبعاد المخطط العلماني من إعلام، واقتصاد وسياسة، وغير ذلك.
وإذا كان هذا الحصاد لا يمكن التعبير عنه بدقة من خلال الأسلوب الكمي، فإن الأسلوب التوصيفي والتحليلي يمكن أن يتيح لنا نظرة تتسم بالدقة إلى حد بعيد.
من خلال هذا المنظور يمكن أن ندلف إلى قضية التعليم وعلمنته لنرصد أخطاءه وخطاياه .
بدأت قضية العلمانية تطل برأسها وتتسرب رويداً رويداً منذ عادت البعوث العلمية من فرنسا، وقد كانت فرنسا على ما فيها من ازدهار للفكر العلماني شأنها شأن باقي دول أوروبا تتحين مثل هذه الفرصة لتغرس غرسها وتمضي مع الوقت لتحصد النتائج.
كان للمدارس الأجنبية الدور البارز في خلق نظام تعليمي أجنبي ليستكمل التغريب مساره.
يقول “لورد سالسبري”: “إن هذه المدارس هي أول خطوة لاستعمار الشعوب التي تنشأ فيها، فإنها تخرج فيها طائفة تخالف سائر أمتها في عقائدها وتفكيرها وتقاليدها، فتحدث فيها صدعاً وشقاقاً تنقسم به على نفسها فيقتلها هون الانقسام بأيديها” (تاريخ الصحافة الإسلامية، أنور الجندي، 1/271).
وكانت مدارس الإرساليات بما تقوم به ترسم الطريق والمناهج، حتى إذا جاء المستعمر فرض هذه المناهج على المدارس الوطنية مع تغيير طفيف. (مقدمات العلوم والمناهج 6/319- 320).
وحتى ينجح الدور كان على المستعمر أن يربط مصلحته بمصلحة الطبقة الغنية المتنفذة، ففرض المصروفات المرتفعة على التعليم الأولي الابتدائي، والتي يعجز أبناء الفقراء عن تسديدها، وأضيف إلى هذا خطوة أخرى هي إنشاء مدرسة لتخريج المدرسين على النمط الغربي.
والفكرة الكامنة وراء ذلك هي أنه كلما تضاءلت مساحة الإدراك المعرفي لدى الأطفال والنشء والشباب في مراحل التعليم المختلفة بقضايا أمتهم والتحديات الخارجية التي تواجهها، وتعرضت ذاكرتهم للطمس، وأهيل التراب على القيادات التاريخية للأمة التي لعبت دوراً مهماً في استنهاض روح التحدي والكبرياء، كلما سهل على الجماعة المتنفذة المرتبطة بدورها بمصالح أمريكا أو أوربا وتوجهاتها اتخاذ قراراتهم بما يتفق مع تكوينهم الفكري وخريطتهم العقلية وانصياعاً لمصالحهم الاقتصادية، وانسجاماً مع انتماءاتهم الاجتماعية حتى لو تعارضت هذه القرارات على المدى البعيد والمتوسط مع مصالح شعوبهم وأوطانهم.
ومن هنا تمت أكبر عملية اختراق أمريكي أوربي لمجتمعاتنا من خلال التنشئة الفكرية والعسكرية للقيادات في البرامج التدريبية، وربط مصالح رجال الأعمال بالمصالح الأمريكية والأوربية من خلال مراكز البحث المنتشرة سواء منها الأمريكية أو الوطنية التي تعمل بنظام المقاولات، مما أحدث خللاً في النظام الإعلامي والتعليمي والقانوني، وانعكس هذا بدوره على التركيبة النفسية والفكرية لقطاعات واسعة من السكان وبخاصة الشباب والأطفال بفعل الأثر السلبي المضاعف لوسائل الإعلام في عصر السلام.
لقد ظل التحدي الخارجي يستنفر الطاقات حيناً في ظل غياب السياسات الناجحة، أما في ظل استراتيجية السلام فهل يمكن لنا أن نتخيل ما يحدث في ظل عوامل النحت والتعرية والتذويب والتفكيك العقدي والأخلاقي والسلوكي والعلمي في سائر البلاد الإسلامية؟
يقول الجنرال “ألبرت ميرجلان” خبير الاستراتيجية الدولية: “هناك حالياً اتجاه يسرف في الحكم على الدول وفقاً لعدد دباباتها وطائراتها المقاتلة! والواقع أن كَمَّ وكيف التعليم هو الذي سيكون العامل الأكثر حسماً في المستقبل القريب.. فليست المعركة العسكرية هي التي ستحدد مصير الأمم الصغيرة والمتوسطة في العالم، بل إن الذي سيفعل ذلك هو النمو الفكري والفني الدائم للأفراد”.
فحرب العقول والهوية والذاكرة الجماعية للشعوب هي الآن جوهر مفاهيم الاستعمار الحديث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *