بين الفتاوى الدينية والفتاوى العلمانية

 

 

هل فعلا الإسلاميون يستغلون الفتوى ويحتكرونها؟ أم أن للعلمانيين والحداثيين النصيب الأكبر من ذلك؟

في دولة تسمح بحرية العلمانية والإلحاد والتنوير والتشيع، واعتناق الشيوعية والماركسية والليبرالية، وكل المذاهب والديانات، كيف يمكن الحديث عن الحجر فقط على اعتناق مذهب فقهي سني مخالف للمذهب الرسمي، أو منع الحديث بحرية انطلاقا من مذهب فقهي أو عقدي معين؟

المتتبع لما تعج به الساحة الوطنية من دعاوى وأفكار متعلقة بالدين يروجها التيار الحداثي والعلماني، سيلاحظ دون عناء، الجرأة الكبيرة للحداثيين والعلمانيين بل حتى الربوبيين والملاحدة، على الفتيا في أمور الدين وتفسير النصوص والخوض فيها، رغم أنهم لا يؤمنون بها.

قبل سنة تحديدا أنجزت جريدة الأحداث المغربية ملفا عن مضامين مقررات التربية الإسلامية، واستعانت في ملفها هذا بالناشط المغربي المتحول من الإسلام، التائه بين الإلحاد والربوبية، سعيد بنجبلي، الذي قدمته كباحث في الشأن الديني.

وسمحت الجريدة لشخص لا يؤمن لا بمقررات التربية الإسلامية ولا بالإسلام ولا بالقرآن ولا بالنبي ولا بإله المسلمين، بل يسجل الفيديوهات التي تسخر من الذات الإلهية، ومن النبي صلى الله عليه وسلم، وتستهزئ بالقرآن، سمحت له أن يفتي للمسلمين (الذين يختلف معهم بالكلية) في ماذا يدرسون أبناءهم، وما هو الصحيح في ذلك وما هو الخطأ، وما هو المناقض للمبادئ الحقوقية إلى غير ذلك.

وبكل وقاحة تجاوز بنجبلي الحديث عن مقررات التربية الإسلامية، إلى اتهام القرآن نفسه، لكن الوقاحة الأكبر هي نشر الأحداث المغربية ذلك الكلام، على أنه لباحث محترم، دون أن تنبه أنه لملحد حاقد على القرآن مستهزئ ساخر بمقدسات المغاربة.

العلماني المتطرف سعيد لكحل أيضا طالب دون أن يرف له جفن بحظر النقاب وفرض غرامات على من تضعه، وكتب: “لسنا أفضل من هذه الدول الأوربية التي حظرت لباس البرقع والخمار.. على الدولة المغربية أن تحذو حذو الدول الأوربية في فرض غرامات مالية باهضة ضد من يخرق قانون حظر لباس البرقع والخمار في الأماكن العمومية”.

مدير يومية “الأحداث المغربية” المختار الغزيوي قال بصريح العبارة: “مابغيناش لباس الطالبان.. النقاب ماشي حرية شخصية. النقاب اختيار اجتماعي وسياسي واضح”.

“الجريدة الإلكترونية كود”، استهزأت بنبرة إلحادية من النبوة والرسل واعتبرت ذلك مجرد “بيزنس وبريكول تاراسوليت ممكن يزداهر في أي مكان”… وأن “بعض الأذكياء (الرسل والأنبياء) كان يستغل سذاجة الناس لادعاء دين أو شرع جديد.. بإجابتهم عن أسئلتهم الوجودية حينها (من أين جئت؟ وماذا أفعل؟ وإلى أين أنا ذاهب)”؟!

رئيس تحرير جريدة الأحداث المغربية يونس دافقير سبق أن كتب تدوينة جاء فيها: “ما يسمى عيد الأضحى هو التحالف التجاري لموضوعي بين تجار الدين وكبار الملاك الزراعيين ضد فقراء الوطن باسم خرافة كبش نزل من السماء”.

وأضاف رئيس تحرير اليومية التي اشتهرت بالنيل من الأحكام الشرعية، ومحاربة كل ما له صلة بالدين والتدين، ونشر الإباحة والانحلال الأخلاقي، في تدوينة أخرى له في حسابه على “فيسبوك”: “إن كانت علاقتي بخالقي تتوقف على حولي فذاك إشكال كبير في الإيمان والعبادة. والإشكال الأحمق أيضا هو أن نتبع الهلال في الضباب والسماء لنعرف في أي يوم سنمارس غباءنا الجماعي”.

الناشط أحمد عصيد، في حوار له موقع “سلطانة”، حول موضوع تعدد الزوجات، وجوابا على سؤال: لماذا تنتقد تعدد الزوجات وتصف الآية بأنها قرئت قراءة تمييزية؟ أجاب المتطرف عصيد بالدارجة بأن “الآية التي تقول بالتعدد لا تبيح التعدد وإنما ادّارت ليها قراءة ذكورية.. والرجل كان يحتل كل الفضاءات ويعمل قوانين لصالحه، لذلك هناك فقهاء آخرين قرؤوا قراءة أخرى للآية متطابقة للآية ومنهم المرحوم علال الفاسي منذ 1947 ومنهم علماء في تونس ولذلك منع التعدد في تونس منذ 1958”.

وجوابا على سؤال “فقهاء الدين يقولون أن التعدد يحارب العنوسة ويصون المرأة هل أنت متفق؟”، قال: “هذا وعي ذكوري يتصور أن المرأة معندهاش حتى قيمة غير إذا تزوجت وكانت مع رجل، عاد غتكون عندها قيمة هذا الأمر مبقاش وارد اليوم، والعنوسة إذا بغينا نحاربوها لا نحاربها بالانحراف مثل التعدد، لأن هذه وضعية شاذة الرجل كيدير  collection  دالعيالات هذا شيء غير مقبول” اهـ.

هذا غيض من فيض من فتاوى الملاحدة والربوبيين والحداثيين والعلمانيين، وتفسيرهم لمعتقدات وشعائر وشرائع لا يؤمنون بها، دون الحديث عن قضايا كثيرة يدلون فيها بدلوهم في تخصصات بعيدة عنهم من تفسير وفقه وحديث، وأحكام شرعية كثيرة، يتناولونها بخلفيات ومناهج مستوردة، ويمارسون بها إرهابا فكريا على المخالفين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *