التفسير النفسي لظاهرة الشذوذ الجنسي.. محمد زاوي

 

ما الانحراف الجنسي؟

يجيب فرويد: “هو تفوق الغريزة الجنسية على بعض المقاومات (الحياء، القرف، الرعب، الألم…)، لتأتي أفعال فارقة للمألوف (لعق البراز، اغتصاب الجثث…)”. (سيغموند فرويد، ثلاثة مباحث في نظرية الجنس ص:37).

آن الأوان ليجيبنا أولئك الذين ينفون وجود أي انحراف جنسي.

فهل لعق البراز من السواء؟

وهل اغتصاب الجثث أمر عادي؟

هذا ما يرفضه فرويد الذي مهما أقر بسيادة الغريزة الجنسية على اللاشعور، لا نراه داعيا إلا إلى تجاوزها (الوعي باللاوعي، من الوعي بالضرورات). فالانحراف الجنسي يظهر بمجرد أن تتفوق الغريزة الجنسية على المقاومات الواعية، وهو ما لا يجب أن يقع.

إن الحقيقة التي لا يجب إغفالها هي أن الانحراف الجنسي ظاهرة لا ينجو منها أحد من الناس، إذ ليس هناك سواء كلي. ولكن الانحراف انحرافان: انحراف لا يتجاوز “الحياة الجنسية السوية”، وآخر يتجاوزها.

يقول فرويد: “ما من فرد سوي إلا ويوجد لديه عنصر يمكن وصفه بأنه انحرافي ينضاف إلى الهدف الجنسي السوي”.

ويقول أيضا: “فحين لا يكتفي الانحراف بأن يظهر إلى جانب الحياة الجنسية السوية (من حيث الهدف والموضوع)، وبقدر ما تكون الظروف مواتية له وغير مواتية لها، ينحي الحياة الجنسية السوية ويحل محلها في الظروف جميعا”. (نفسه، ص37).

يظهر الانحراف الجنسي إلى جانب الحياة الجنسية السوية، وهذا هو المقصود -على الأرجح- بالسواء الجنسي. ولكنه عندما ينحي الحياة الجنسية السوية يكون ناتجا عن أحد أمرين: إما انحراف جنسي مكتسب، وإما انحراف جنسي طبيعي.

ربما هذا ما قصده علي الوردي بقوله: “إن الانحراف لا يمكن التخلص منه في أي مجتمع مهما كان. يقول الأستاذ هافلوك ألس المختص بالأبحاث الجنسية: إن هناك اثنين بالمئة من الناس مصابون بالانحراف الجنسي طبيعة لا اكتسابا”. (علي الوردي، مهزلة العقل البشري، ص 12)

قد نصل علميا إلى ما وصل إليه علي الوردي، ولكن ذلك لا يعني التطبيع مع الانحراف والشذوذ الجنسيين. سنلتمس الأعذار، ولكننا لن نتردد ولو للحظة واحدة في حماية المجتمع من التفكك والدولة من الانهيار. أليس الوردي نفسه هو من جعل معاقبة المجرم شرا لا بد منه؟ أليس هو نفسه من نفى عنه المسؤولية وأجاز في حقه السجن رغم ذلك؟ (راجع “خوارق اللاشعور”، علي الوردي).

من أسباب الشذوذ ما هو طبيعي إذن، فما هي أسبابه التي تجعله مكتسبا؟

إن أهم الأسباب التي تجعله مكتسبا هو تحريم الميل إلى النساء والتمادي في إخفائهن عن الرجال، وذلك باسم تعاليم الدين ونصائح الوعاظ والزهاد. والحقيقة أن الإسلام لا يحرم الميل إلى النساء، بل ينظمه ويضبطه فقط. لا رهبانية في الإسلام، وقد زين للناس حب الشهوات من النساء، وقد كان الرسول العظيم يتزوج النساء..

يقول علي الوردي: “ينتشر اللواط أيضا بين الرهبان الذين ينقطعون لعبادة ربهم في الأديرة المنعزلة. وهو ينتشر كذلك بين رجال الدين الذين يعيشون في مراكز دينية تتحجب فيها المرأة أو يقل وجودها. وقد نجت بعض المراكز الدينية في إيران من هذه العادة لشيوع زواج المتعة فيها، فرجل الدين هناك يشبع شهوته عن طريق المتعة، وبذلك يقل تطلعه نحو الغلمان”. (علي الوردي، مهزلة العقل البشري، ص 14)

ويقول أيضا: “شيوع الغزل المذكر في شعر المتصوفة لم يكن كله ناتجا عن نزعتهم العرفانية، فربما كان شذوذهم العذري من أسباب ذلك، والله أعلم”. (علي الوردي، أسطورة الأدب الرفيع، ص 78).

فزواج بغير تأبيد، يهدد الأسرة ويقف في وجه استراتيجية “تكثير سواد الأمة”. وليس “زواج المتعة” هو موضوعنا هنا، بل هو البحث فيما يجعل الشذوذ ينتشر بكثرة في أديرة المنعزلين عن الحياة وبين البحارة والسجناء… إن اعتزال النساء يعد سببا من الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف الجنسي، وإن معاكسة الطبيعة (الفطرة) هو مما يؤدي إلى توجيه الميل وجهة خاطئة.

هذا سبب من الأسباب فقط، وإلا فالانحراف الجنسي لازال في حاجة إلى المزيد من البحث والدراسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *